سلام على رزان

سلام على رزان

07 يونيو 2018
+ الخط -
في أحد مطارات الدول العربية، ثمة إعلان يعاد أكثر من مرة لركاب الطائرة المتجهة إلى إسرائيل بالتوجه نحو الطائرة المغادرة إلى تل أبيب ، فيما منظر الشهيدة رزان النجار في أطراف غزة، يتراءى لي، وقد اختلطت دماؤها بدماء الجرحى اللذين كانت تسعفهم، بعد أن اخترقت جسدها رصاصة قادمة من وجهة الطائرة المذكورة!
لم يكن رمضان شهرا للتدبر في آيات القرآن الذي بدأ بالنزول فيه فحسب، فالتدبر في كتاب الله صفة لازمة دائمة، إذ قال تعالى في كتابه العزيز "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ"، فالمعلوم والمستقر أن القرآن نزل ليعمل به، ولتسعد به البشرية الحائرة، وتسعد به الإنسانية المعذبة، ولذلك كان التدبر شرطا سابقا للتطبيق، ولازما لتحقيق مقصد الرسالة.
ولكن رمضان وقفة سنوية يتسع فيها التدبر مصداقا بالتعمق، ومفهوما ليكون أكثر شموليةً بصورةٍ قد يصعب المداومة عليها بقية العام.
يزداد عمق التدبر في رمضان، فيغوص المؤمن في معانيه ومقاصده المتجدّدة، ثم بشكل لا تلقائي، يتسع تفكير المرء ليشمل واقعة الشخصي من تحقق الإيمان والإلتزام بمبادئ القرآن. ولأن القرآن هو سر النهضة التي عاشها المسلمون من قبل، كان لابد أن تشمل قيمه وتوجيهاته الفرد والأسرة والمجتمع والأمة، فيقف المؤمَّن كذلك في رمضان، متأملا حال الأمة التي أنزل عليها القرآن. وهذه خصيصة من خصائص عظمة القرآن، فهو لا يسجن العقل في التجريد، ولكن يذهب به مباشرة إلى الواقع مقارنا بينه وبين المثال.
هذه الصِّلة التي يجد فيها نفسه قارئ القرآن الكريم بين قيم القرآن وابتلاءات الواقع المتجددة، والتي يزداد الإحساس بها في رمضان، من الأسباب التي جعلت شهر الصوم محطة للفتوحات والانتصارات، فكلما تعمق المرء في آيات القرآن كلما ازادادت الرغبة في تغيير الواقع وصولا إلى تلك الغايات. لذلك كانت بدر الكبرى في رمضان، والتي سُميت بالفرقان حيث كانت علامة فارقة بين عهدين، عهد كان الولاء فيه للقبيلة والقرابة وبين عهد أصبح الولاء فيه للقيمة والإعتقاد. يقاتل فيه المرء أبيه وأخيه نصرة لما يحمله من قيم ويعتقده من إيمان. ما كان هذا التحول الكبير أن يتم إلا في رمضان.
والناظر في حال أمة القرآن اليوم يجدها، رغم الصحوات، مازالت مسلوبة الإرادة، منهوبة الثورات، لا ينتشر الموت والظلم والإستبداد إلا بين شعوبها ولا تأكل نار الحروب إلا أبناؤها.
في ظل هذا الواقع، كان من الطبيعي أن نعايش ذلك المشهدين، مشهدي الخيانة والمقاومة. فالمذيع وهو ينادي على ركاب الطائرة المتجهة إلى إسرائيل كان يذيع معه خيانة نَفَر من أبناء جلدتنا، نكثوا العهد ونقضوا الموثق، فالقرآن يخبرنا بهذا الصنف من الناس، إذ قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ".
والناظر إلى التاريخ يجد أنه ما من مستعمر وغاز إلا واتخذ خائنا مساعدا له وخليلا. ولكن في وسط الظلام، يبقى الشهداء أنوار الأمل، فالأمة التي لا تبخل بدمائها وتقدم أثمن ما تملك سيحين وقت انتصارها وبزوغ فجرها، ولو من بعد حين. فالشهداء هم دليل على اتقاد جذوة مقاومة الظلم والاستكبار في القلوب، وسيأتي اليوم الذي تحرق فيه الباطل وأذياله.
سيظل دم الشهيد الصخرة التي تتكسر عليها مخططات الذل والخنوع والسهم الذي يغتال دسائس الماكرين. فكلما توّهم بعضهم بتسليم أمتنا الراية يتخذ الله منا شهداء يجددون العهد ويذكرون الأمة بأن لا إستسلام ولا سلام مع الطغيان.
سلام على رزان في الخالدين، سلام على دمائك الطاهرة، وهي تغسل خيانة بعضهم وعار أمة بأكملها.
7C8EE555-4E6E-40E3-BAE1-A4099D6E29ED
7C8EE555-4E6E-40E3-BAE1-A4099D6E29ED
محمد زيدان عبده زيدان (السودان)
محمد زيدان عبده زيدان (السودان)