المهمة شبه المستحيلة

المهمة شبه المستحيلة

12 يوليو 2016
+ الخط -
ورد في الحديث أن رجلا اعترض على الرسول الكريم عند توزيعه الغنائم، فقال: "أعدل، فإنك لم تعدل"، ليتنبأ الرسول عليه السلام، بخروج فئة يحملون الفكر نفسه لاحقا.
لم تكن خطيئة الرجل، كما يفهم بعضهم من ظاهر الأثر، أنه تطاول على جناب الرسول (ص) فقط، وإلا كيف يخرج أناس بعد وفاة الرسول يحملون فكر الرجل نفسه، ولم تكن خطيئته أنه اعترض على حكم الرسول فقط، فالذين أتوا بعده كانوا أشد تمسكاً بظواهر النصوص، وبالطبع لم تكن المشكلة أنه خرج على الحاكم، كما يريد أن يقنعنا بعضهم.
ما وقع فيه الرجل حينها، وما عانت منه الأمة لاحقا، أنه جعل تفسيره وفهمه للحادثة حقيقة مطلقة، تفوق الاعتقاد بمعظم أخلاق النبي نفسه، فاعتراض الرجل لم يكن على خطأ إجرائي، أراد أن يصوبه، وإنما طعن مباشر في عدل النبي، فالرجل آمن بما وصل إليه من تقدير إلى درجة جعلته يتجاوز كل مقدس، بل وتخطى كل الحواجز الثقافية والاجتماعية حوله. لذلك، لم يكن مستغربا ما حدث بالقرب من الحرم النبوي.
تحدث مآلات امتلاك الحقيقة المطلقة كثيرا عند أصحاب الديانات، لأن الإيمان يقوم بالأساس على مطلق الاعتقاد، ثم يمتد تأثير الإطلاق على التدين المتفرع من الإيمان، وأعني به تنزيل الدين على الواقع المعاش، الأمر الذي يحتاج تأويلا للنصوص وقراءة للواقع لا يمكن فصلهما من ذاتية المؤول، كما يقول علماء الهيرمنوطيقا.
في نظري، نقد مفهوم الحقيقة هو المستوى الأول الذي يجب أن نبحث فيه، لطرح رؤية أكثر تسامحاً مع الآخر، حيث يتم من خلاله مساءلة الإيمان وطرق التوصل إليه، بحيث يكون الإيمان شأناً شخصياً بين العبد وربه، أي أن نصل إلى وعي بأن الإنسان يصل إلى كامل اليقين عن طريق تجربة وحسّ ذاتي، وهو ما يعني أنه ليس بالضرورة أن يحدث الأمر نفسه مع آخرين.
كذلك، ينطبق الأمر على ما يترتب على الإيمان من فروع وأحكام هي أصلا بعيدة عن الإطلاق، كما ذكرنا.
الشاهد أن أي رسالة تبدأ بمخاطبة الناس، مستخدمة الذوق العام والحس المشترك من بداهة وأخلاق وغيره، ثم تأتي بالجديد في وجود الرسول، وفي حالة الإسلام كان القرآن يتنزل قبل الوقائع هادياً وموجهاً، وفي أثنائها مصححا، وبعدها ذاكرا العبر والمواعظ.
إذن، كانت عملية تأويل النص الذي أدّعي أنه يحتمل طيفا واسعا من التأويل (ينطق به الرجال)، فيها قدر من الانضباط، حيث يحدها الذوق والفهم المشترك ووجود الرسول والواقع الذي أنزلت فيه وله.
بدأت الأزمة بعد وفاة النبي (ص)، حيث غاب الرسول وتقلد مكانه السلف وكتب التراث، وغاب الواقع وغُيّب الفهم والمنطق العام. هنا دخل بعضهم في نقطةٍ يصعب الخروج منها، حيث القرآن لا يفهم إلا عن طريق السلف، وهذا الفهم هو الحاكم على كل شيء. وهنا أكون محتاجا لدليل على كل ما ذكرته من كتب السلف، لأن هذه أول مسلمة في هذا الفكر المنغلق على نفسه. لا أجد حلا لهذا الإشكال. ولكن، قد يصلح ما ذكرته للذين لم يصلوا إلى هذه النقطة بعد وللأجيال المقبلة.
7C8EE555-4E6E-40E3-BAE1-A4099D6E29ED
7C8EE555-4E6E-40E3-BAE1-A4099D6E29ED
محمد زيدان عبده زيدان (السودان)
محمد زيدان عبده زيدان (السودان)