قضية الصحراء... منعرجات دالة؟

قضية الصحراء... منعرجات دالة؟

05 مايو 2018
+ الخط -
تمر قضية الصحراء المغربية بمنعطف دقيق، على ضوء المستجدات التي طرأت أخيراً. فلأول مرة منذ وقف إطلاق النار سنة 1991، تهدد جبهة البوليساريو الانفصالية بالعودة إلى حمل السلاح، والمساس بالترتيبات القانونية والميدانية التي تضمنها اتفاق وقف إطلاق النار. فضلاً عن ذلك، تزداد مساحة الالتباس المحيطة بالقضية، في ضوء المنعرجات الدولية والإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بصعود روسيا لاعباً أساسياً في عدد من ملفات المنطقة، وغموض الموقف الأميركي وتذبذبه، الشيء الذي يطرح أسئلة كثيرة بشأن الخيارات الممكنة بالنسبة للمغرب.
وعلى الرغم من أن قرار مجلس الأمن أخيراً تضمن عناصر تصب في الرؤية المغربية للنزاع، من قبيل إحالته على المقترح الذي سبق أن قدمه المغرب في أبريل/ نيسان سنة 2007 بشأن الحكم الذاتي، وترحيبه بجهود الرباط للمضي بالعملية صوب التسوية، واعترافه باتزان الرد المغربي على توغل جبهة البوليساريو أخيراً في المنطقة العازلة في الكركرات، ودعوته لها بالانسحاب الفوري، على الرغم من ذلك كله، إلا أن هناك ما يستوجب التوقف عنده بشأن هذا القرار، أبرزه امتناع روسيا، إلى جانب الصين وإثيوبيا، عن التصويت. هذا الامتناع فضلاً عن أنه يعكس اصطفاف الروس إلى جانب الجزائر التي تدعم الانفصاليين، فهو يؤشر على تشكُّل واجهةٍ جديدةٍ للصراع الأميركي الروسي في المنطقة العربية، وهو أمر قد تكون له تبعاتٌ على التجاذبات التقليدية لقضية الصحراء.
صحيح أن الدبلوماسية المغربية، نجحت، نسبياً، في السنوات الأخيرة في توسيع هامش الحركة أمامها على الصعيدين، الإقليمي والإفريقي، إلا أنها مطالبة بمراجعة أدائها، خصوصاً فيما له صلة بنسق الفاعلين المعنيين بتدبير القضية على الصعيد الدولي. وهنا لا يمكن القفز على تصاعد النفوذ الروسي وتمدده في المنطقة، بكل ما لذلك من دلالات.
يبدو وضعُ المغرب بيضهُ كله موزعاً بين السلتين الفرنسية والأميركية خياراً غير عملي، ليس 
فقط بسبب غموض الموقف الأميركي وتقلباته حيال قضيتنا الوطنية، ولكن أيضاً بسبب التبدلات التي يبدو أن المشهد الدولي مقبل عليها. ولعل إقدام الرباط على استدعاء سفيرها من طهران، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، بسبب ما وُصف أنه دعم إيراني لجبهة البوليساريو، يكشف حجم التقاطبات الإقليمية والدولية الجديدة التي باتت توجد في قلبها هذه القضية.
من هنا، تبدو الدبلوماسية المغربية مطالبة بقراءة عميقة واستراتيجية لهذه التقاطبات، ضمن منظور شامل يستوعب ما تعرفه منطقة جنوب الصحراء والساحل التي صارت بؤرة إقليمية ودولية على قدر كبير من الأهمية، تتقاطع عندها استراتيجيات وأجندات متباينة.
يجب أن تأخذ هذه الدبلوماسية ذلك كله بعين الاعتبار، وتعيد جدولته في رؤيةٍ متوازنةٍ تتوخّى، من جهةٍ، تحصينَ ما تحقق من مكاسب. ومن جهة أخرى، العملَ على فتح دروب جديدة إقليمياً ودولياً، خصوصاً أن هناك نزوعاً متواتراً نحو التعاطي، بحذر، مع التطلعات الانفصالية في أكثر من منطقة في العالم، ولعل الحالة الكتالونية أبلغ مثال على ذلك. وهذه ورقة يجب استثمارها بشكل مدروس، ما دام أن هناك رفضاً أوروبياً صريحاً للنزعات الانفصالية داخل دول الاتحاد الأوروبي.
كما أن تفضيل الاتحاد الإنصات لمصالحه الاقتصادية في تعاطيه مع قرار محكمة العدل الأوروبية، بشأن استثناء منطقة الصحراء من اتفاق الصيد البحري المرتقب مع المغرب، يُمثل ورقة يمكن استثمارها، أيضاً، وإعادة إنتاج آثارها، بشكلٍ تتجاوز بعدها الاقتصادي والتجاري البحت، بمعنى فتح قنوات للتواصل مع الأجهزة المتحكّمة في صناعة القرار الاقتصادي
 الأوروبي، بما يخدم الاستراتيجية المغربية في هذا الصدد، ويُغذّي جوانبها القانونية والقضائية والسياسية ذات الصلة بالنزاع، ولا شك أن توظيف جبهة البوليساريو ورقة الثروات الطبيعية في النزاع بات تحدياً بالنسبة للدبلوماسية المغربية، حيث أصبحت مطالبة بتوسيع دائرة تحركاتها، وتنويع روافدها بما يمدّها بمزيد من النجاعة والفعالية في مواجهة ما يستجد.
من ناحية أخرى، يبدو انخراط المغرب في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الجهادي ورقةً أخرى، لا ينبغي التقليل من أهميتها في تجاذبات قضية الصحراء، بالعمل على استخلاص العائد السياسي لهذا الدور في علاقته بهذه القضية، بإثبات أن من شأن قيام دويلة جديدة في المنطقة أن يربك الاستراتيجية الدولية في مكافحة الإرهاب والتطرّف الديني.
تبدو الدبلوماسية المغربية أمام تحدياتٍ جديدة تُضاعف مسؤوليتها حيال منعرجات النزاع، بكل تعقيداته الأمنية والسياسية، فهي مدعوة إلى التفاعل مع التقاطبات الجديدة التي بدأ يفرزها النزاع، ولعل ذلك لا يتأتى إلا بتوسيع قاعدة النقاش العمومي الوطني، وفتح المجال أمام الدبلوماسية الموازية، بكل تشكيلاتها القانونية والاقتصادية والثقافية والمدنية، فغيرُ خافٍ الدور الذي يوليه الانفصاليون لهذه الدبلوماسية التي توفر لهم مساحة لا يُستهان بها من التأييد والدعم، عبر شبكة دولية واسعة من المنظمات غير الحكومية التي تتبنّى أطروحتهم وتدافع عنها، في غيابٍ شبه كامل لدبلوماسية مغربية موازية، متنوعة الروافد، وقادرة على التصدي لذلك، وتقديم الرؤية المغربية لحل النزاع، لا سيما فيما يتعلق بتحيين العرض المغربي المتعلق بمبادرة الحكم الذاتي.