بعد الانسحاب من الاتفاق النووي

بعد الانسحاب من الاتفاق النووي

13 مايو 2018
+ الخط -
في اليوم التالي لتوقيع الاتفاقية النووية بين إيران والدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، كان قلقُ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، واضحاً عندما هاتف الرئيس الأميركي في حينه، باراك أوباما، قائلاً له إن هذا الاتفاق يهدّد وجود إسرائيل.. وقد اعتبر يومها أن هذا الاتفاق سيمهد الطريق لإيران لامتلاك السلاح النووي، بينما جاءت ردود الفعل الدولية عليه مرحِّبة بشكل عام، مع حذر سعودي نقله الملك سلمان إلى أوباما في اليوم نفسه الذي هاتفه فيه نتنياهو، وأعرب فيه عن رغبته في أن يتم التوصل إلى عقد معاهدة ملزمة وقوية.
كان لدى أوباما فكرة قوية عن معارضات كثيرين من جنرالات الكونغرس، بمن فيهم بعض الديمقراطيين، للاتفاق. لذلك لم يعطه صيغة المعاهدة، ووصفه بأنه لا يقوم على الثقة، لكنه يعتمد على عمليات التفتيش الصارمة، فالاتفاق مجرد التزامٍ بالخضوع لعمليات تفتيش تبرمجها الوكالة الدولية للطاقة النووية، وأن على إيران الالتزام بها، بالإضافة إلى تخفيضاتٍ مهولةٍ في الأجهزة والمواد التي تدخل في إنتاج القنابل النووية. وافقت إيران على ذلك كله، والتزمت، لكن إسرائيل لم تقتنع، وهي ترغب في بتر النشاطات النووية الإيرانية على كل صعيد.
لا يبدو للهجمات الإسرائيلية أخيرا على مواقع إيرانية في سورية علاقة مباشرة بموقفها من الاتفاق، فالمواقع التي قصفتها خاليةٌ من السلاح النووي بالطبع، لكن الجبهة الإسرائيلية الأميركية تبدو راغبةً بإيصال رسالة قوية إلى إيران، وهي أن الخيار العسكري وارد، وقد تكون هذه الرسالة مهمة، فالرئيس ترامب لن يغامر بالخصام مع الدول الأوروبية الراضية عن الاتفاق، لكنه جاد، وتُحرِّكه دوافع محلية وراءها صقور مَنْ تبقى من حزب الشاي، الذي يرغب بمشاهدة إيران وسط حريق كبير، وأهمهم جون بولتون الذي كتب قبل فترة مقالة عنوانها: لكي توقف قنابل إيران اقصفها بالقنابل. هذا جوهر الموقف الأميركي الحالي، ولو أن الأمر لم يصل حالياً إلى القصف المباشر بالقنابل، لكن الموقف شديد الصلابة، والهدف هو منع حدوث أي تغيير في الوضع النووي الحالي في المنطقة، مع الإبقاء على العقوبات الاقتصادية على إيران، والعمل على تشديدها وإحكامها، فالصقور الذين يدعمون موقف ترامب الحالي يؤمنون بأن هناك شارعاً إيرانياً يمكن أن يتحرّك، ويُحْدِثَ تغييراً مهماً وحاسماً يقلب الموازين.
قد يركّز ترامب على حلفاء إيران، لتحقيق مزيد من الضغط عليها وإضعافها من خلال عمليات استهداف نوعي لوجودها في سورية واليمن ولبنان، فالساحة لا تبدو خاليةً لترامب لعمل ما يريد، واليوم لا يشبه بأي حال أحد أيام العام 2001 أو 2003، حين جحفلت أميركا قواتها، واحتلت أفغانستان والعراق. المناخ الآن فيه روسيا قوية، ولديها خنادق متقدمة، ولدى إيران مواقع مهمة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تخلخل التحالف الدولي في مواجهة إيران، وكل أوروبا تعارضه، وكذلك روسيا والصين. يمكن أن تشدد أميركا العقوبات، لكن عقوباتها ستكون من طرف واحد، فقد لا تلتزم بها أوروبا، ما يضعف الحلف الذي يواجه إيران، وقد تستمر إيران في تمسّكها بالاتفاق، على الرغم من عدم توقيع ترامب، وتحافظ على وضع نووي راكد، لتقوي موقف مناصريها الأوروبيين، وهو ما سيحصل على الرغم من عنتريات قادة إيران، فهم يعلمون أن امتلاك السلاح النووي أصبح ممنوعاً بقوة. لذلك قد يضيف عدم محاولة التسلح به زخماً لموقفها.
يبقى لإيران الصواريخ بعيدة المدى، وهو ما تستطيع إيران أن تلعب به، لتحافظ على خطابها القوي، وذلك بإطلاق مزيدٍ من الصواريخ في الهواء، لا تُسبب قلقاً إلا لإسرائيل، فأوروبا عملياً لا تخشى هذا النوع من السلاح، ولطالما بقيت في منأىً عن السلاح النووي، ويبقى على ترامب أن يمتلك ما يقوله لجمهوره، عندما يبدأ بالحساب وبقراءة جردة نتائج الانسحاب من الاتفاق.