سيناريوهات دخول فرنسا إلى أوكرانيا

سيناريوهات دخول فرنسا إلى أوكرانيا

17 مارس 2024

ماكرون متحدّثا في مؤتمر صحفي في ختام مؤتمر داعم لأوكرانيا في باريس (26/2/2024/فرانس برس)

+ الخط -

في مؤتمر دولي داعم لأوكرانيا عُقد في باريس، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إنه لا يجب السماح لروسيا بالانتصار في الحرب. لذلك لا يجب استبعاد أيّ احتمالٍ بما في ذلك إرسال قوات إلى أوكرانيا!

يقفز اقتراح ماكرون، بشكل غريب، باعتبار أن فرنسا ليست في مقدّمة الدول التي تقدّم دعماً مادّياً لأوكرانيا في الحرب، بل تأتي في المرتبة السابعة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا ثم بولندا وكندا والنرويج. وتقدّم فرنسا ما مجموعه نصف مليار دولار فقط. أكّد ماكرون أنه جادٌّ في تصريحه، ولم يطلقه لمجرّد الاستهلاك أو لتخويف روسيا، فهو يعني ما يقول، ثم عاد إلى التخفيف من حدّة التصريح بقوله إن فرنسا لا تدرُس ذلك عمليا، ولكنه مجرّد تفكير مستقبلي. وجوبه موقف ماكرون المتقدّم بإحجام عام، حتى من أميركا التي قالت إنها تعارض إرسال قوات أطلسية أو أميركية إلى أوكرانيا، فمن شأن خطوةٍ كهذه توريط التحالف الاستراتيجي بحربٍ عالمية. لم تزل الزوبعة التي أثارها ماكرون تثير الغبار في كلا المعسكرين رغم خفوت حدّتها، فقد عاد الجانب الروسي إلى التهديد بوضع يده على الزناد النووي، في حال دخلت قوات أجنبية إلى أوكرانيا.

لم يكُن توقيت تصريحات ماكرون اعتباطياً، فقد جاء في لحظةٍ بدأ فيها التراجع الأوكراني على طول جبهات القتال، حيث استطاع الجانب الروسي زحزحة القوات الأوكرانية في عدّة مواقع هامة نحو الغرب بضعة أمتار. وفي ظلّ تعثّر أطلسي في إدامة التسليح لأوكرانيا، يمكن لهذا التراجع أن يستمرّ، ولكن تصريحات ماكرون لا تمثل ردّاً على عثرات ضعف التسليح ونقص إمدادات القوات الأوكرانية بالعتاد، بل تقدّم بديلاً عن طريقة التعامل الأوكراني مع السلاح الجديد الذي جرى توريده قبل هجوم الربيع الأخير، فلا يبدو أن الجيش الأوكراني قد استفاد من الطاقة الكاملة لذلك السلاح، وسقط كثيرٌ منه وسُحب على شكل معدّات معطّلة يجب إصلاحها. يقدّم ماكرون جندياً بديلاً عن الجندي الأوكراني، ووصلت مستويات التجنيد الأوكراني إلى أقصى طاقاتها. ويعتقد ماكرون أن الجندي الأطلسي يمكن أن يقدّم مردودا عسكريا متفوّقا بزجّه مباشرة في المعركة، ويمكن أن يعوّض نقصا أساسيا في الجيش الأوكراني يؤمّن انتصارا.

لا يبدو الاقتراح الفرنسي واقعياً، فالدخول المباشر إلى حلف شمال الأطلسي في المعركة يمكن أن يحفّز الجانب الروسي على انتهاج سلوكيات عسكرية غير تقليدية. وليس بالضرورة اللجوء إلى خيار نووي منذ اللحظة الأولى، فهناك تشكيلة كبيرة من الخيارات ذات تدميرٍ واسع الطيف، يمكن أن تؤذي روسيا، ولكنها من المؤكّد ستؤدّي إلى دمار أوروبي كبير، وهو ما لا يريد الغرب رؤيته ولا التعامل معه. وفي الوقت نفسه، تذهب المعركة، بمعطياتها الحالية، إلى مصلحة بوتين، وإن كانت ستأخذ مزيداً من الوقت، ولكن النهاية ستكون مناسبة له. وقد يكون البديل عن ذلك تحرير المساعدات العسكرية مرّة جديدة، وتحديث الأسلحة وتنويعها. وإذا فشل هذا الخيار، سيكون الخيار الثاني باستخدام النصف الغربي من أوكرانيا، وهو الجزء الواقع على يمين نهر الدنيبر، فهناك تسيطر أوكرانيا بالكامل، ولم يحدث أي هجوم أو تهديد روسي على ذلك الجزء، يمكن استخدام هذا المكان واستقدام خبراء وفنّيين من حلف شمال الأطلسي، ليكونوا عمليا على الأراضي الأوكرانية، ولكن خارج ميدان المعركة، الأمر الذي يمكن أن يقصر خطوط الدعم ويسرّع وصوله. قد يعتقد بعضهم أن اللجوء إلى هذا الخيار سيعرّض النصف الغربي من أوكرانيا لهجماتٍ روسية، ويوسّع من دائرة المعركة. لكن روسيا، من الناحية العملية، لا تقدر على ذلك، فمن الصعب عليها إدارة عمليات عسكرية بهذا الحجم، وحلٌّ من هذا النوع قد لا يعطي انتصاراً سريعا لأوكرانيا، ولكنه بالتأكيد سيحرم بوتين من فرض انتصاره الموعود، وسيطيل من معركته في أوكرانيا إلى أقصى حدّ، من دون أن يُمنح مبرّرا لاستخدام سلاح غير سلاحه التقليدي.