يوم الأرض الفلسطيني وتهجير السوريين

يوم الأرض الفلسطيني وتهجير السوريين

09 ابريل 2018
+ الخط -
30 آذار 1976 - 30 آذار 2018. هل من يتذكّر "يوم الأرض" الفلسطيني؟ تاريخ يبدو بعيدا جدا، ليس فقط بمداه الزمني (42 سنة)، وإنما أيضا بمعناه ورمزيته، على الرغم من راهنيته، وعلى ضوء "مسيرة العودة" السلمية التي انطلقت من غزة في 30 آذار الماضي.
أقدمت إسرائيل عام 1976 على مصادرة 20 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية، فانتفضت الضفة الغربية، وكانت المواجهة التي سقط فيها ستة شهداء وعشرات الجرحى، إلا أن إسرائيل لم تتراجع عن قرارها، فهجّرت آلاف الفلسطينيين، ودفعت آلاف المهاجرين اليهود للحلول مكانهم في أرضهم، واستمرت في تهجير الفلسطينيين، لكي تحكم استيلاءها على أكثر من ثلاثة أرباع أراضي فلسطين. فرضت إسرائيل معادلة التهجير في مقابل نشر الاستيطان، وسط نقمة شعبية عارمة، وشبه يائسة، وعجز عربي رسمي فاضح، وتغطية دولية أو صمت يصل إلى حد التسليم بالأمر الواقع. وكان "يوم الأرض" في 30 آذار 1976 الذي أعلنته يومها منظمة التحرير الفلسطينية، وكرسته من بيروت عنوانا للتضامن والدفاع عن الأرض.
مرت أكثر من أربعين سنة، ولم يستسلم الفلسطينيون. بقي سلاحهم الأقوى هو التشبث بالأرض - الوطن. وقبل أيام، انطلقت "مسيرة العودة الكبرى" من غزّة التي لا تزيد مساحتها عن 350 كيلومترا مربعا. نصبت مئات الخيم، استعدادا للبقاء هناك على طول الحدود مع قطاع غزة شهرا ونصف الشهر حتى 15 مايو/أيار، الذكرى السبعين لنكبة 1948 التي سجلت أول موجات النزوح الفلسطيني. يشارك في مسيرة الاحتجاج هذه عشرات الآلاف من الفلسطينيين، يواجهون باللحم الحي العسف الإسرائيلي! وسقط في الأسبوع الأول برصاص الاحتلال أكثر من عشرين فلسطينيا، وأصيب أكثر من 1500 آخرين.

وعلى الرغم من التخاذل العربي الرسمي، والإحباط العربي الشعبي، والعجز ومرارة العزلة الفلسطينية، وعلى الرغم من شراسة الاحتلال وتهويده الأرض، لا يزال الفلسطينيون صامدين، يستنبطون أساليب وطرقا مختلفة للمقاومة، ولرفض الاحتلال، واغتصاب الأرض وتهويدها واستيطانها، على الرغم من التمزق والصراع الفلسطيني - الفلسطيني. ستستمر المواجهة، وستكون بدون أدنى شك قاسيةً على مدى الأسابيع المقبلة. هدّد رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال غادي إيزنكوط، بأن مائة من قنّاصي الجيش الإسرائيلي انتشروا لمواجهة أي خرق للسياج. والأرجح أن الجيش الإسرائيلي يستعد للمواجهة أيضاً مع أهل الضفة الغربية والقدس، بعد أن أصدرت حكومة المتهم بالفساد، بنيامين نتنياهو، أمراً بالسماح للمستوطنين بدخول باحة المسجد الأقصى. ستقع مواجهات، وسيسقط ضحايا، وستستمر المقاومة الشعبية السلمية.
إنه الغضب الفلسطيني الممزوج بالخيبات والإحباط. والإحباط هو أيضا رجع صدى للإحباط الذي منيت به ثورات الربيع العربي من أجل الحرية والكرامة، بدءا من مصر مرورا بليبيا والعراق وانتهاء بسورية التي أضافت أخيرا عنوان الأرض إلى تطلعات السوريين ومعاناتهم، بعد سبع سنوات من الحرب ومآسيها. لقد أجهض كل حلم بالتغيير حتى إشعار آخر. وبدل أهداف الثورة من أجل الحرية والانعتاق من حكم الاستبداد الذي دام نحو خمسين سنة، تحولت سورية إلى وطن مقهور وأرض سليبة، نتيجة بطش النظام واستماتته في اقتلاع السوريين من أرضهم وتهجيرهم. وها هم حماته لا يقلون بطشا وهمجيةً عنه، فموسكو تتباهى بأنها نجحت في تهجير 150 ألف سوري وتشريدهم من الغوطة، وبأنها تمكنت من إعادة كتائب النظام إليها، بمشاركة المليشيات التي جندتهم إيران والعراق وباكستان وأفغانستان.
تم تهجير 150 ألف مدني من الغوطة من ديارهم وأرضهم خلال شهر، ثم جاء دور أهل دوما الذين سيغادر منهم حوالي مائة ألف، وبذلك يكون قد تم تهجير قرابة ربع مليون من محيط دمشق، في فترة لا تتعدى الأربعين يوماً. رقم قياسي تخطى، على الأرجح، أول أعداد موجات النزوح الفلسطيني في 1948.
وفيما كانت مفاوضات دوما مستمرة، هدد النظام منطقة القلمون الشرقية بمصيرٍ مشابه للغوطة، وطلب من المدنيين والفصائل المسلحة الموجودة فيها بالرحيل فوراً، أو أنه سوف يلجأ إلى طردهم بالقوة. وتأتي منطقة القلمون بعد الغوطة، كونها بين حمص وحماة، وعلى الطريق نحو منطقة الساحل. مخطط تهجير وترانسفير سكاني، تمهيدا لتحويل الخط الساحلي إلى دويلة الأسد العلوية المعروفة بـ"سورية المفيدة".
قوات النظام هي إذاً من يقوم مباشرة بعملية التهجير، تدعمها المليشيات الطائفية التي يشرف عليها "الحرس الثوري الإيراني"، بإسناد لوجستي روسي جوي وبري. وهذا التوجه يخطط له الروس، أو يحظى على الأقل بموافقتهم ودعمهم. وهذا ما يؤكده وزير الخارجية الروسي،
سيرغي لافروف، نفسه الذي أعلن، مع بدء معركة الغوطة في 18 فبراير/شباط الماضي، أن "عملية حلب (تم تهجير 200 ألف من سكانها) واتفاقات انسحاب المسلحين منها يمكن إعادة تطبيقها في الغوطة الشرقية، ونحن نسعى من أجل تحقيق ذلك". فهل سيتسنى لأهل الغوطة العودة إلى أرضهم ومنازلهم، ولسكان مضايا والزبداني، وحلب وغيرها.. ومتى؟ أم أن مصيرهم كمصير 11 مليون سوري موزعين على مخيمات البؤس في لبنان والأردن وتركيا وبعض دول أوروبا. الكارثة السورية ربما توازي، بفظاعتها، نكبة فلسطين، ولكن الفلسطينيين يقاومون المحتل، أما في سورية ماذا سيفعل الذين هجروا وشردوا؟ عليهم أن يواجهوا أخطبوطا مثلث الرؤوس: نظام يقهرهم منذ نحو خمسة عقود، وجيش غاز مدجج بآلة حرب فتاكة، ونظام آخر عقائدي تيولوجي، يطلق العنان لمليشياته الغازية تعيث فسادا في أرضه، وتتقاسمها مناطق نفوذ، فإذا قاوموا كما يحاولون أن يفعلوا فيوصمون بـ"الداعشية" والإرهاب.
والمفارقة الكبرى أن قادة روسيا وتركيا وإيران عقدوا قمة، في الرابع من إبريل/ نيسان، للتشاور حول مستقبل سورية، والأنكى أنهم يريدون هم أن يقرروا مصير السوريين، وأي دستور جديد للبلاد. علما أنه عندما حصلت سورية على استقلالها في بداية الأربعينيات، تولى السوريون بأنفسهم صياغة دستورهم، ولو أنها كانت بداية الديموقراطية ونهايتها في الوقت نفسه. بعدها دخلت سورية في نفق مظلم اسمه حكم "حزب البعث"، ودخل السوريون في أتون الانقلابات العسكرية الواحد تلو الآخر، وداخل الحزب الواحد نفسه، إلى أن استقرت السلطة سنة 1970 في أيدي "بعث عائلة الأسد".
... وهكذا أصبح السوريون اليوم أمام معادلة إما الأسد أو "داعش".
5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.