العراق.. انتخابات المال والتدخل الخارجي

العراق.. انتخابات المال والتدخل الخارجي

01 مايو 2018
+ الخط -
لا يمكن لك، وأنت تتابع حملات الدعاية الانتخابية في العراق، إلا أن تصاب بالدهشة من حجم الأموال التي تنفق عليها، خصوصا أن هذه الحملات الدعائية للمرشحين لا تخضع لأي قانون للمساءلة عن مصدر تلك الأموال التي تنفق، وبالتالي فإن الباب مفتوح لصاحب المال ليكون برلمانياً في العراق الجديد، هذا العراق الذي فصلت ديمقراطيته أميركا، يوم أن دخلت أبواب بغداد، محررة العراقيين من نظامهم ودولتهم ومؤسساتهم، بل وحتى من عراقية كثيرين منهم.
قد يكون الأمر عاديا، خصوصا في بلد يعد من أغنى بلاد الأرض، فهو يملك ثاني أكبر مخزون نفطي، وربما الأول كما تشير دراسات حديثة، وهو صاحب مخزون غازي كبير جداً، ما زال غير مستغل، وهو أيضا من البلاد النادرة التي تتوفر على نهرين، يمخران عباب أراضيه من شماله إلى جنوبه. وفوق هذا وذاك، يمتلك العراق ثروة بشرية قادرةً على إحداث نهضةٍ كبيرة، وقد حاول، في سنواتٍ خلت، قبل أن يتحول إلى ضيعةٍ تتقاسم خيراتها أميركا ودول أخرى. وبالتالي، يبدو إنفاق كل هذه الملايين على حملاتٍ انتخابية عادياً.
غير العادي أن هذه الحملات التي ينفق عليها ملايين الدولارات تجري في بلدٍ يعيش أزمات كبيرة منذ الاحتلال الأميركي في 2003، ويعاني من نقصٍ كبيرٍ في خدماته وبنيته التحتية المتضرّرة، ناهيك عن مستويات بطالةٍ غير مسبوقةٍ تجاوزت 40%، وفقا لوزارة التخطيط العراقية. ما يوازي ارتفاعا في نسبة العراقيين تحت مستوى خط الفقر، حتى وصلت النسبة أو تكاد إلى 30%.

يتساءل العراقيون، وهم يشاهدون الحملات الدعائية التي ملأت شوارعهم ويومياتهم وقنواتهم وصحفهم، وحتى وصلت إلى مطاعمهم وبيوتهم، لو أن ما ينفق على هذه الحملات الدعائية، ينفق على ترميم البنية التحتية، لو أنها أنفقت على تحسين واقع القطاع الصحي المتهالك، لو أنها أنفقت على عادة شبكة التيار الكهربائي التي ما زالت تترنّح، لو أنها أنفقت على شبكة الصرف الصحي، لو أنها صرفت على النازحين الذين ما زالوا يئنون تحت وطأة مطر الشتاء وحر الصيف، لو أنها وأنها وأنها، ولكن لا، لا يمكن أن تصرف على هذا الواقع المتردّي، فهي وجدت ودفعت وخصصت للدعاية الانتخابية، الدعاية التي قد تحمل صاحبها على جناح الدولار إلى قبة البرلمان. وهناك، وما أدراك ما هناك، يستعيد كل مرشح ما دفعه أضعافا مضاعفة، فالبرلمان العراقي ليس سوى مؤسسةٍ تفوح منها رائحة فساد، بات معتقاً، ويكفي أن تستمع لنائب عراقي في حوار تلفزيوني صريح، حتى تتأكد مما نقول.
من أين لهم كل هذه الأموال التي تنفق على هذه الحملات الدعائية؟ تجيب على السؤال منظمة الشفافية الدولية التي صنفت العراق أكثر بلدان العالم فسادا، لا تفوقه فسادا سوى دولة أو اثنتين، وهو مركزٌ يحافظ عليه العراق منذ 2004 بنجاح ساحق. وتجيب على هذا السؤال دبي التي تحولت إلى أكبر مركز لغسيل أموال مئات من البرلمانيين والسياسيين العراقيين منذ 2004، حتى أن ما وصل إليها من أموال كان يمكن أن يعيد بناء دولة بحجم العراق من الصفر وتحت الصفر.

من أين لهم كل هذه الأموال؟ يمكن أن تجيب على ذلك القوى الإقليمية المتنفذة التي تبحث كل منها على مصالحها من خلال صراع النفوذ في العراق، فأخيرا بتنا نسمع عن ملايين دفعت من السعودية لتيارات سياسية وشخصيات حزبية عراقية، أملا في أن تجد السعودية لها موطئ قدم في العراق ما بعد انتخابات 12 مايو/ أيار الجاري.
نعم، لم يعد خافياً على أحد أن الانتخابات العراقية المقبلة هي الأقذر بعد الاحتلال، من ناحية استخدام المال السياسي للتأثير على الناخبين العراقيين، فقد تسربت مراتٍ محادثاتٌ وصور لعمليات بيع أصوات الناخبين وشرائها، من دون أن تتخذ مفوضية الانتخابات أي إجراء بحق من يفعل ذلك، لأنها ليست قادرة.
ببساطة، هذه هي الانتخابات العراقية التي يُراد إخراجها على أنها عملية ديمقراطية، يمكن لها أن تسهم في تعزيز المكاسب التي تحققت عبر العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
هذه هي الانتخابات التي قد تكون نتائجها محسومةً سلفا من ناحية التوزيع العددي للمقاعد البرلمانية بين الكتل الكبيرة التي لا يبدو أنها ستغيب أو يغيبون قادتها عن مشهد العراق خلال السنوات الأربع المقبلة. ولعل الاختلاف الوحيد الذي سيطرأ على هذا المشهد بعض التغييرات في الوجوه الجديدة التي يُراد لها أن تجمل وجه عملية سياسية قبيحة، وربما، قد نشهد أيضا تغييرا في شخص رئيس الوزراء والبرلمان والجمهورية.
يحق للعراقي أن يسأل مرشحي برلمانه المقبل، من أين لكم كل هذه الأموال التي تنفقونها على دعاياتكم وحملاتكم الانتخابية؟ لماذا بعد الانتخابات، وبعد أن تجلسون على مقاعد البرلمان الوثيرة، تختفي الأموال، ولا يسمع العراقي منكم سوى أن الدولة مقبلة على الإفلاس، وأن على الشعب أن يتقشّف؟
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...