فرضيات ليست في محلها

فرضيات ليست في محلها

30 ابريل 2018

(ضياء العزاوي)

+ الخط -
أصابت الحيرة المرأة التي أخذت قرارا قاطعا بالانفصال عن خطيبها، حين انتبهت إلى ورود مكالمة منه لم تشاهدها في حينه. وبالتالي فوّتت فرصة الرد، وتردّدت كثيرا في إعادة الاتصال، على الرغم من الفضول القاتل الذي تملّكها لمعرفة سبب تلك المكالمة المفقودة. تم ذلك بعد صمت وغياب تام دام عامين، تجاوزت في أثنائهما آلام الانفصال الذي يرتبه افتراق كان مفاجئا للجميع، كونهما الثنائي المتناغم العاشق الذي اعتبر نموذجا للعلاقة العاطفية الناضجة التي تجمع بين رجل عصري مثقف وامرأة واعية حضارية متحققة مهنيا، تتمتع بشخصية قوية، وثقة عالية بالنفس، علاقة حب مثالية، مبنية على الحب والانسجام والتناغم واحترام كيان الآخر، وحريته واستقلاليته.
استقرّت القصة بعد مرور عامين في أرشيف الذكريات، قصة حب عاصفة لم يُكتب لها الاستمرار جمعتهما، تجاوزا في أثنائها صعوباتٍ كبرى، قبل أن يتمكّنا من فرض إرادتهما على عائلة الفتاة التي أبدت تحفظاتٍ تمكّنا من تجاوزها بإصرارهما على إكمال مشوار الحياة سويا. اتخذت العلاقة، في نهاية الأمر، شكلا رسميا تتوج باستقبال العائلة لجاهةٍ ضخمة من وجهاء البلد، شملت رئيس وزراء سابقا صار متخصصا في تزعم الجهات، بانتظار تكليفٍ جديد لم يفقد الأمل يوما في حدوثه، وبضعة وزراء حاليين وسابقين، إضافة إلى نوابٍ ثابتين في مجالس البرلمان المتعاقبة، معروفٌ لدى الجميع أنهم يصلون إلى القبة بواسطة شراء الأصوات. تم الأمر بيسر، والتهم الجميع الكنافة الساخنة، وشربوا القهوة المرّة، بعد أن تم القبول والإيجاب، وعلت الزغاريد إيذانا بإشهار الفرح. وارتدت العروس ثوبا ورديا باهظ الثمن، وراقصت الحبيب الذي وضع في يدها خاتما من الألماس، كان موضع حسد الصديقات اللواتي شكلن حلقة الدبكة حول العروسين السعيدين.
بعد مضي عدة أيام على عقد القران، طرأ تغيير مفاجئ على أسلوب العريس. بدأ في انتقاد طريقة لباسها، واتهمها بالمبالغة في التحرّر، متوقعا معها إبداء بعض التحفظ، كونها أصبحت في حكم الزوجة. وبالتالي هي محسوبة عليه، وهو يرفض بشدة أن ينظر إليه الناس بأنه عديم الكرامة، لا يمانع في خروج امرأته مكشوفة الذراعين. استجابت صاغرةً لمطالبه، متذرعةً بأنه يفعل ذلك من باب الغيرة التي هي دليل على الاكتراث والحب. بعد ذلك طلب منها الكفّ عن نشر صورها على مواقع التواصل، بعد أن قرأ تعليقاتٍ من أصدقاء رجالٍ تُطري على جمالها وتهنئ العريس بحسن اختياره.
قال إنه لا مشكلة لديه في الصور من حيث المبدأ، غير أن ثمّة رجالا متخلفين، يعانون من ازدواجية وعقد، يعتقدون أن النساء المتحرّرات متاحاتٌ للتحرّش ويعطين أنفسهن الحقّ بالغزل السخيف، واقتحام الخصوصية، بحجة الصداقة الافتراضية. اقتنعت بوجهة نظره، لأنها كانت تتعرّض أحيانا لمضايقاتٍ من هذا النوع من رجال بلداء عديمي الحساسية، يحاولون قنص النساء، ويتباهون فيما بينهم بحصيلة الصديقات اللواتي وقعن في الفخ. وعلى الرغم من أنها كانت قادرةً على وضع أمثال أولئك عند حدهم، لكنها استجابت لرغبته، وشطبت جميع الصور. ليس ذلك فحسب، بل استبدلت البروفايل على صفحتها بصورةٍ له، يستعرض فيها ذراعيه المفتولتين. لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل أبدى العريس الغيور احتجاجا على بعض الأسماء الذكورية من الزملاء والأقارب والأصدقاء، وطلب منها شطبهم من قائمتها. لم يطاوعها قلبها في مخالفته، وعلى الرغم من عدم اقتناعها، شطبت القائمة التي اعتبرها سوداء، وتوالت التعليمات والطلبات غير المنطقية، والتي تعمل، من وجهة نظرها، إلى تحويلها امرأة أخرى لا تعبر عنها.
وبعد تردّد طويل، طلبت فسخ الخطوبة. ولشدة دهشتها، استجاب لرغبتها من دون محاولة إصلاح الأمر. أعيد المصاغ، وتم إعلان الطلاق، ومضى كل منهما إلى سبيله، وانتهت الحكاية تماما، حتى ورود تلك المكالمة غير المتوقعة. تساءلت: هل أصابه الحنين؟ هل اعتراه الندم؟ هل يريد استعادة الصداقة التي جمعتهما يوما.. في الوقت نفسه، كان العريس السابق يضرب رأسه بغضب على تلك الغلطة الإلكترونية الفادحة التي جعلته يطلب رقمها بالخطأ، وحرصا منه على عدم تكرار ذلك الخطأ، أقدم على شطب اسمها من القائمة، فيما هي غارقة في اقتراح فرضياتٍ ليست في محلها.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.