عن الانتخابات التركية المبكرة

عن الانتخابات التركية المبكرة

28 ابريل 2018
+ الخط -
تركيا على موعد مهم في 24 يونيو/ حزيران المقبل، عندما يقف الرئيس رجب طيب أردوغان، ومعه حزب العدالة والتنمية أمام أكبر امتحان حقيقي في تاريخهما السياسي، مع الموعد المرتقب للانتخابات الرئاسية والتشريعية المبكرة. وسيطاول الامتحان أيضاً أحزاب المعارضة التركية مجتمعة، سواء المشاركة في البرلمان أو التي خارجه، حيث ستختبر مقدرتها على قيادة البلاد، والتقدم من جديد، وعلى تعزيز مواقعها في الانتخابات أو خسارة بعضها، وخصوصا الحزب الذي تشكل أخيرا، الحزب الصالح، بزعامة ميراك أكشنر، بعد انشقاق مؤسسيه عن حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهجلي، الحليف الجديد للرئيس أردوغان وحزبه الحاكم.
ولعل الحسم في معركة الانتخابات المقبلة سيحدد مصير تركيا ووجهتها المستقبلية، سواء من جهة استمرار أردوغان والحزب الحاكم في قيادة البلاد، أم لجهة تغيير الوجهة والدخول في مرحلة مختلفة تماماً على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخصوصا أن تركيا دخلت مرحلة النظام الرئاسي، بعد تغيير مواد دستورها بصورة مؤسسية في استفتاء 16 إبريل/ نيسان 2017، وأفضى ذلك إلى إثارة غبار كثيف في البيت التركي، المفعم بإرهاصات دوائر من الصراع والتجاذب التاريخي، نظراً إلى طبيعة الهويات المركبة فيه ما بين الشرق والغرب، والتي لم تتمكن العلمانية التركية من حسمها، أو تجفيف منابعها الثقافية والاجتماعية، على الرغم من عمليات العزل للهويات الاجتماعية عن الدساتير التي عرفتها الجمهورية التركية.
وألقى الاستقطاب السياسي الداخلي بظلاله على طبيعة التحالفات السياسية التركية المعتادة، حيث أسفر عن أشكال جديدة من التحالفات المرحلية التي قد لا تدوم طويلاً، وانَعكس ذلك في تحالف 
حزبين من "اليمين القومي المحافظ"، بجناحية الإسلامي والعلماني، "العدالة والتنمية" الحاكم والحركة القومية. وبرز على الطرف المعارض تعاون بين حزبين معارضين بارزين، الشعب الجمهوري والحزب الصالح، وتجسد في استقالة 15 نائباً من نواب حزب الشعب الجمهوري في البرلمان، وانضمامهم إلى "الحزب الصالح"، بغية تمكينه من خوض الانتخابات، وتشكيل تحالف يمكنه الوقوف بوجه الرئيس أردوغان، ومنعه من تعزيز حكمه.
ويبدو أن تقديم التحالف المحافظ موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كانت مقررة في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، غايته استثمار جملة من العوامل الداخلية والخارجية، تتجسد في سعي الرئيس أردوغان إلى الحصول على جميع صلاحيات النظام الرئاسي التي وافق عليها الشعب التركي في تصويت الاستفتاء على التعديلات الدستورية، الأمر الذي يجنبه تمديد حالة الطوارئ التي أعلنت بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو/ تموز 2016، وتلتها حملة اعتقالات لأنصار الداعية المعارض فتح الله غولن الذي اتهم بتدبير المحاولة. إضافة إلى التخوف من تبعات تراجع سعر صرف الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة نسب البطالة، وتأثير ذلك كله على شعبية الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم.
وتتحدث أوساط سياسية عن حيثيات تقديم الانتخابات في رغبة حزبي التحالف المحافظ استغلال ارتفاع شعبيتهما، خصوصا بعد نجاح عملية "غصن الزيتون" في منطقة عفرين السورية ضد مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، وتوجيه الجيش التركي ضربات قوية لمقاتلي الأخير داخل البلاد، لكن الأهم أن "العدالة والتنمية" بادر إلى الدعوة لانتخابات مبكرة، بعد أن حضّر لها جيداً، حيث أجرى عملية غربلة وتجديد واسعة لكوادره وقياداته على مستوى الفروع في معظم الولايات التركية، في مؤتمرات عقدها خلال الأشهر الستة الأخيرة، وأفضت إلى إبعاد المشكوك بولائهم للحزب وللرئيس أردوغان،
وخصوصا الذين عارضوا بشكل غير معلن التحوّل من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
غير أن حيثيات تقديم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية تتعدى ذلك، لتطاول استغلال ضعف صفوف أحزاب المعارضة، وضعف تنظيمها، خصوصا أن العقم التاريخي لهذه الأحزاب يجسده عدم وجود شخصية معارضة كارزمية، قادرة على الحشد المليوني وتحقيق الإجماع الشعبي حولها. إضافة إلى استمرار عجز حزب المعارضة الرئيسي، الشعب الجمهوري، عن تقديم أي مشروع سياسي جامع، قادر على استقطاب الأوساط الاجتماعية المحافظة حوله، في ظل استمرار هيمنة زعيم الحزب، كمال كلجدار أوغلو، والذي لا يتمتع بكاريزما قيادية، وافتقاده القدرة على الخروج بالحزب من دائرة الهزائم الانتخابية المتلاحقة، منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم.
وإذا كان مبكرا الحديث عن طبيعة تحالفات أحزاب المعارضة التركية وتركيبتها، إلا أن الرهان الوحيد القوي الذي تراهن عليه أوساط في المعارضة، هو ترشيح الرئيس السابق عبد الله غول. وهو أمر ما زال بعيداً عن الحسم، وتجري مفاوضات لعقد تحالف معارض بين حزبي الشعب الجمهوري والسعادة الذي يسعى رئيسه، تامال كارا موللا أوغلو، إلى إقناع عبد الله غول بالترشح ضد أردوغان. ومع ذلك، لا يمكن الجزم بإمكانية ترشح غول لانتخابات الرئاسة، إلا إذا اختارته جميع أحزاب المعارضة مرشحا توافقيا، حينها يمكن القول إن الرئيس أردوغان سيواجه تهديداً حقيقياً.
5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".