صوت يهودي صافٍ

صوت يهودي صافٍ

19 ديسمبر 2018

نيف غوردن: الصهيونية نقيض الحرية والمواطنة والمساواة (ويكيبيديا)

+ الخط -
من بين ما ترتب على الجدل بشأن "قانون القومية" الإسرائيلي الذي تم تشريعه أخيرًا، عدة محاولات تمحورت حول تأطير الحركة الصهيونية، انطلاقًا من قاعدة التأصيل والمآل. ومع أن النتائج الناجزة لأغلب تلك المحاولات لم تُصب الهدف المطلوب، وانهمكت بقدرٍ متفاوتٍ من التطييف، فإن بعضها تميّز بأنه وضع الأمور في نصابها، على غرار ما فعل كثيرون ممن سبقوه، منذ تأسيس هذه الحركة في أواخر القرن التاسع عشر.
داخل هذا البعض لا بُدّ من التوقف عند أحد الأصوات الأكثر صفاء، وهو صوت الأكاديمي نيف غوردون من جامعة بئر السبع، والذي كتب بصريح العبارة أن الفكرة الصهيونية رديفُ التهويد ونقيض الحرية والمواطنة المتساوية. وجزم بأنه حان الوقت للانفصال عن الصهيونية، والتمسّك بكل قوة بالأيديولوجيا التي تدفع المساواة قدمًا، وبأنه لا ينبغي للمرء أن يكون راديكاليًا، حتى يصل إلى هذه الخلاصة، بل يكفي أن يكون ليبراليًا مستقيمًا وعادلًا.
يوضّح غوردون، في سياق جدل خاضه مع إحدى طالباته على صفحات صحيفة هآرتس، أن الصهيونية، في جوهرها الحقيقيّ، تنصّ على أن الجماعة الإثنية اليهودية تمتلك حقوقًا زائدة في البلد (فلسطين)، بما في ذلك الحق في السيطرة على منظومات القوة السياساتية. ومن أجل ضمان مثل هذا الأمر، وعلى مدار كل الأعوام المنصرمة منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، كان الصهاينة بحاجةٍ إلى أن يقوموا بممارسات آثمة كثيرة، تشمل، من بين ما تشمل، تهويد الحيّز بواسطة اقتلاع سكان المكان الأصلانيين وتركيزهم في مناطق صغيرة، وذات مساحات أرض محدودة، وترتيب منظومة العلاقات بين الجماعات المتعدّدة في المجتمع الإسرائيلي بشكلٍ يكون فيه المواطنون اليهود المسيطرين بالمطلق، والمواطنون الفلسطينيون الخاضعين للسيطرة.
ويقتبس غوردون العقد الاجتماعي لجان جاك روسو الذي جرى استهلاله بالكلمات التالية: "يولد الإنسان حُرًّا، ويوجد الإنسان مُقيّدًا في كل مكان"، وربط فيه بين الحرية والمساواة. وقد شرح روسو أن حرية الإنسان مرهونةٌ بالمساواة الأساسية في المجتمع، وعندما تكون لجماعة ما حقوق زائدة، فإن الجماعة الأخرى لا تفقد حقوقها فحسب، إنما أيضًا تُصادر حريتها. وبناء على ذلك، حسبما يؤكد غوردون، عندما تقوم الصهيونية بالتضحية بمسألة مساواة المواطنين الفلسطينيين على مذبح "مشروعها القومي"، فإنها لا تصادر منهم المساواة فقط، بل تسلبهم حريتهم أيضًا. وفي ضوء هذا، فإن الاستنتاج المنطقيّ هو أن اختيار أي مواطن إسرائيلي الصهيونية كعقيدة يعني، بصورةٍ آليةٍ، قبوله التضحية بقيمتي المساواة والحرية لكل من هو غير يهوديّ. وفي قراءته، فإن محاولة الصهاينة الذين يُعرّفون أنفسهم ليبراليين، أمثال أنصار حزب ميرتس (يسار صهيوني)، أن يرفعوا، في الوقت عينه، رايتي الصهيونية والديمقراطية الليبرالية، لا تعدو كونها أكثر من مجرّد وهم.

ويتابع غوردون أنه، وفقًا لما يؤكد عليه روسو، فإن التنازل عن الحرية مثل التنازل عن الإنسانية، وعن الحقوق والواجبات المكفولة لكل إنسان لمجرّد كونه إنسانًا. ونظرًا إلى أن كل عقد اجتماعي يقوم على أساس توزيع معيّن لحقوق مواطني الدولة وواجباتهم، وإلى أن الإنسان منزوع الحرية هو مواطن من دون حقوق وواجبات، فإن المواطنين الفلسطينيين في مناطق 1948 لا يمكنهم أن يكونوا شركاء حقيقيين في العقد الاجتماعي الإسرائيلي. وكما يؤكد، تقتضي الاستقامة الفكرية القول إن المواطنين الفلسطينيين بالنسبة إلى الصهيونية، بما في ذلك التيارات الليبرالية، هم لا أكثر من عائق أو مصدر إزعاج.
بما أننا على أعتاب عيد الميلاد المجيد، يشار هنا إلى أن الشاعر والأديب اليوناني، نيكوس كازانتزاكي، نشر عام 1927 مقالات في صحف يونانية، كانت تصدر في مصر حول انطباعاته من رحلة قام بها إلى فلسطين، لحضور أعياد الميلاد هناك، ومن ضمن ما شملته عبارات وجهها إلى فتاة يهودية تبنّت الصهيونية ورد فيها: "بدأت بفقد حريتك، وتقييد نفسك، وتضييق مساحة قلبك، الذي أصبح الآن يميّز ويفرّق ويختار ولا يتقبّل سوى اليهود.. ويجب أن تشعري بالخطر".