سباق الهروب من هرمز

سباق الهروب من هرمز

19 ديسمبر 2018
+ الخط -
فيما يزداد التوتر في منطقة الخليج العربي، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، وعودة العقوبات على طهران، واحتمال توجه واشنطن إلى محاولة تصفير صادرات النفط الإيرانية، بعد انتهاء فترة السماح التي منحت لثماني دول تستورد منها، تزداد المخاوف من إمكان حصول ردود إيرانية على الإجراءات الأميركية، بعد أن هدّدت طهران بأنها إذا مُنعت من تصدير نفطها فإن أحدا لن يصدر نفطه أيضاً، في إشارة إلى احتمال إغلاق مضيق هرمز.
وعلى الرغم من أنه ينبغي عدم أخذ تهديدات إيران دائمًا على محمل الجد، فالإيرانيون، مثل العرب، أهل شعر وفصاحة، وأكثر كلامهم مبالغة، خصوصا أنهم يدركون أن إغلاق المضيق يعني مواجهة حتمية مع واشنطن، مع ذلك لا ينبغي استبعاد حصول ذلك نهائيا. فوق ذلك، يبدو أن إيران نفسها باتت تخشى من احتمال إقدام آخرين على إغلاق المضيق، في ظل توجه كبار المنتجين في المنطقة إلى بناء منافذ للتصدير خارج الخليج.
ومنذ اكتشاف النفط في المنطقة مطلع القرن العشرين، وبداية إنتاجه وتصديره بكميات تجارية، ظل هرمز (عرضه 39 كم) المعبر الرئيس لأكثر نفط المنطقة، حتى في أسوأ الظروف السياسية والأمنية، بما فيها الحرب العراقية الإيرانية التي تخللتها "حرب الناقلات". لكن بدأت تبرز أخيرا توجهات من دول عديدة في المنطقة، لنقل عمليات تصدير النفط إلى خارج الخليج، وعدم الاستمرار في البقاء رهينة لاحتمالات الإغلاق، مهما كانت ضئيلة. وتعمل إيران ودول عربية خليجية، منذ بعض الوقت، على مشاريع مختلفة للتخلص من معضلة هرمز، فيما يبدو أنه سباق على من يستطيع الخروج أولا.
أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن بلاده ستنقل ميناء تصدير النفط الرئيس من الخليج إلى بحر عُمان؛ وأن الصادرات يجري نقلها من ميناء جزيرة خرج في الخليج، إلى بندر جاسك الواقعة على بحر عُمان، وأن هذا المشروع الذي عده روحاني المشروع الاستراتيجي الأهم لبلاده في هذه المرحلة سيتم إنجازه في نهاية ولايته عام 2021. ويبدو أن إيران تقرأ محاولات سعودية وإماراتية للخروج من هرمز باعتبارها مقدمةً لاستهدافها أو لعمل ضدها.
وكانت السعودية قد أنشأت، منذ مطلع الثمانينيات، خط أنابيب بترولاين لنقل نفط المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، لكن باعتبار أن ثلثي صادراتها غدت تذهب إلى آسيا بدلا من أوروبا وأميركا، فإن تحويل مسارها إلى الغرب ثم نقلها شرقا لتحميلها في ناقلاتٍ تبحر عبر مضيق باب المندب وخليج عدن باتجاه آسيا، يعني أن الرحلة أصبحت أطول بنحو ألفي كيلومتر وتستغرق خمسة أيام إضافية، فضلا عن أنها صيد سهل للقراصنة الذين ينشطون في المنطقة. لذلك بدأت السعودية تخطط لإنشاء ميناء نفطي في محافظة المهرة، الواقعة أقصى شرق اليمن على الحدود مع سلطنة عُمان، تمهيداً لمد أنبوب نفطي عبر اليمن، لنقل النفط من خلاله إلى بحر العرب. ومن شأن ذلك أن يحرّر السعودية من الاعتماد على موانئها النفطية على الخليج (ميناء الدمام خصوصا)، والتي يمكن أن تتوقف حال إغلاق مضيق هرمز.
تذهب الإمارات، هي الأخرى، بهذا الاتجاه، إذ أنشأت ميناء لتصدير النفط من ميناء الفجيرة على بحر عُمان ناقلة بذلك محطات تصدير نفطها من داخل الخليج إلى خارجه. ولهذه الغاية، أنشأت أبوظبي أنبوبا عملاقا لنقل النفط عبر جبال الحجر الوعر بطول يصل إلى 386 كلم وبطاقة تصل إلى 1.5 مليون برميل يوميا، رابطة بذلك أكبر حقول النفط لديها، وهو حقل حبشان في أبوظبي بميناء الفجيرة، وهي الإمارة الوحيدة التي لها منفذ كبير على المحيط.
هذا السباق على الهروب من هرمز يعني، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، انخفاض حجم النفط المنقول عبر مضيق هرمز من نحو 35% تقريبا من النفط المصدر بحرا في العالم، إلى النصف تقريبا خلال السنوات القليلة المقبلة. لكن ماذا يعني التحرّر من لعنة هرمز لدول المنطقة؟ هل يزيد من احتمال المواجهة أم يضعفها، وكيف ينعكس ذلك على بقية دول الخليج والعراق التي لا يبدو أن لديها بدائل حقيقية؟
AA8F4D7D-04C2-4B96-A100-C49FC89BAEBA
مروان قبلان

كاتب وباحث سوري