احتمالات الحرب في لبنان

احتمالات الحرب في لبنان

10 ابريل 2024

مشهد لأضرار أحدثها القصف الإسرائيلي في بلدة الهبارية جنوب لبنان (27/3/2024/ الأناضول)

+ الخط -

مع اقتراب حرب غزّة من نهايتها، تتركّز الأنظار على الجولة الآتية من الصراع الذي أصبح مفتوحاً على امتداد المنطقة، بين إسرائيل من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى. وبالتأكيد، ما زالت في غزّة مسائل عديدة عالقة، مثل مسألة رفح، وكيف سيجري التعامل معها؟ هل تقوم إسرائيل، كما يردّد نتنياهو وأعضاءٌ في حكومته، بعدوانٍ شاملٍ عليها، كما فعلت مع باقي محافظات القطاع أو تخضع للضغوط الأميركيّة، وتكتفي بعمليات خاصّة أو عمليّة بريّة محدودة، تحاول من خلالها تحقيق ما عجزت عن تحقيقه (إطلاق الأسرى والقضاء على ما تبقّى من قوّة حركة حماس). ثمّ ماذا عن اليوم التالي، من سيدير غزّة وكيف؟ وهل سيكون هناك مسار سياسيّ ما، يؤدّي إلى حلّ جزئي أو شاملٍ للقضيّة الفلسطينيّة، أم إنّ هذا الأمر طواه العدوان على غزّة نهائياً بانتظار تفجّر جولة جديدة من الصراع في فلسطين؟ لكنّ كلّ هذه الأسئلة، على أهميتها، ما عادت تصرف الانتباه عن التصعيد الحاصل في لبنان، واحتمالات انتقال الحرب إليه بفعل عاملين رئيسين. الأول، حاجة إسرائيل إلى حسم مسألة الأمن على حدودها الشماليّة، والثاني مرتبط بمسار حرب الظلّ مع إيران، التي شهدت تصعيداً كبيراً مطلع شهر إبريل/ نيسان الحالي، بعدما قصفت إسرائيل مبنىً مجاوراً للسفارة الإيرانية في دمشقَ، وقتلت سبعة ضبّاط من الحرس الثوري الإيراني، بينهم مسؤول فيلق القدس في بلاد الشام ونائبه.

الحديث عن احتمالات تفجّر جبهة لبنان تغذّيه تصريحات القادة الإسرائيليين، والتحضيرات والمناورات الجارية بهذا الشأن، خصوصاً بعدما سحبت إسرائيل الجزء الأكبر من قواتها من غزّة، وتواتر تقاريرَ عن زجّ جزء منها في جبهة الشمال. فهل نحن فعلاً أمام حالة حربٍ على الجبهة اللبنانيّة مع إسرائيل، أم أنّ ما يجري لا يعدو أن يكون جزءاً من حربٍ نفسيةٍ تمارسها إسرائيل لدفع حزب الله إلى القبول بشروطها؟ التقديرات هنا متفاوتة. فمن جهة، هناك عوامل تدفع إلى القول إنّ حرباً بين إسرائيل وحزب الله باتت حتميّة، لأنّ الأولى لم تعد، بعد صدمة "طوفان الأقصى"، في وارد الاطمئنان إلى وجود قوةٍ عسكريّةٍ تهدّدها على الحدود، لذلك سوف تسعى حتماً إلى إضعافها وإبعادها، وهذا الأمر يجري حاليّاً، إنّما في مستوى قتالي منضبط، لكنّه قد يتفلّت سريعاً إذا فشلت إسرائيل في دفع حزب الله بعيداً عن الحدود.

من الخطأ ربط تحقيق هذا الهدف بحسابات انتخابيّة إسرائيليّة، رغم أنّها موجودة فعلاً، فهناك إجماعٌ عليه في المستويات السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة، وهناك رأيٌ عامّ وإعلام يضغط باتجاه حلّ أزمة نحو 90 ألف إسرائيلي غير قادرين على العودة إلى بيوتهم في الشمال، قبل حلّ مسألة الأمن على الحدود. هذا يعني أنّ قرار الحرب على لبنان قائمٌ فعلاً بانتظار استكمال الاستعدادات وتوفّر الذخائر الكافية لشنّها. ومن جهة أخرى، ورغم وجود أطراف إقليميّة ودوليّة عديدة لها مصلحة في اندلاع حربٍ شاملةٍ بين حزب الله وإسرائيل، منها روسيا والصين، اللتان تُعدّان المستفيدتان الكبريان من تفجّر الوضع في الشرق الأوسط، إلا أنّ ما يقلّل من احتماليّة الحرب أنّ حزب الله يريد تجنّبها بأيّ ثمن. كما أنّ الولايات المتحدة تعارضها لحساباتٍ انتخابيّة خاصة بالرئيس حو بايدن، وكذلك لأنّ حرباً جديدةً في الشرق الأوسط تتناقض مع جوهر المصلحة الأميركيّة التي باتت تُدرك مقدار الضرر الذي ألحقته حرب غزّة بصورتها وبأجندتها الدوليّة، من أوكرانيا إلى شرق آسيا. يبقى موقف إيران الجريحة، الباحثة عن انتقامٍ لمقتلِ ضبّاطها في دمشق، لكنّ إيران، التي لم تبدُ يوماً بهذا الضعف، تريد، هي الأخرى، تجنّب المواجهة، وتجنيبها حزب الله (استثمارها الخارجي الأكبر). هذا يعني أنّ ردّ إيران لن يخرُج، على الأرجح، عن حدود المألوف في سلوكها، المعروف منذ عام 1979 (استهداف سفارة هنا، سفينة أو طائرة مدنيّة هناك، وحتماً تحريك وكلائها). هذا يُرَجّحُ إذاً، حصول تسوية سياسيّة، ما إن تنتهي حرب غزّة، يقبل بها حزب الله بترتيبات جديدة على الحدود، في حين تستمرّ حرب الظلّ الإيرانيّة الإسرائيليّة إلى أن تتغيّر الظروف، وهي تتغيّر بالتأكيد.

AA8F4D7D-04C2-4B96-A100-C49FC89BAEBA
مروان قبلان

كاتب وباحث سوري