بن سلمان تنمية بالسلاح

بن سلمان تنمية بالسلاح

28 أكتوبر 2018

بن سلمان في مؤتمر "دافوس الصحراء" بالرياض (24/10/2018/الأناضول)

+ الخط -
جلس ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في لقاء مستقبل الاستثمار أو "دافوس الصحراء" في الرياض، وإلى جواره رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، وتحدث عن بعضهم الذين يريدون أن يُحدثوا شرخاً بين السعودية وتركيا، ثم تحدث عن أحلامه للخمس سنوات المقبلة على الشرق الأوسط، وتحدث عن أرقام موجبة تعكس مستويات التنمية التي سيقودها كما يقود "معركة". صدَّق الحريري على كل كلمة قالها ولي العهد، وابتسم على كل طرفةٍ نطقها مضيفه، وصفّق مع كل المصفقين، من دون أن يكون هناك مبرّر سياسي أو اقتصادي لجلوس الحريري إلى جوار الأمير الشاب حتى حانت لحظة النهاية، وعرفنا أن وجوده إلى جوار محمد بن سلمان لزوم "الإفيه" الذي حُبِك كسيناريو برنامج ساخر، عندما قال محمد بن سلمان "إن الحريري موجود في السعودية ليومين، أرجو أن لا يقول أحد بأنه مخطوف". وانفجرت القاعة بالضحك، لذكاء الطرفة التي لخصت كل مشاريع التنمية التي يحلم بها الأمير الشاب. وفي الوقت نفسه، عكست السياسة البوليسية التي طفت بقوة على السطح، وغطت على كل خطط التنمية، منذ "عملية الريتز" وصولاً إلى حادثة القتل في القنصلية السعودية في إسطنبول ومروراً بحدث احتجاز الحريري الذي أعيد استخدامه ليظهر ولي العهد بكل هذه الطرافة.
المشهد في الواقع مختلف تماماً، فالمؤتمر الاقتصادي وخفة ظل محمد بن سلمان، خلفية مشوهة لمسرح يظهر فيه مبنى دبلوماسي في وسط إسطنبول، وعشرات القرائن والأدلة على جريمةٍ قُتل فيها صحافي سعودي معارض، وعالم ديمقراطي حر مترامي الأطراف يُحجم عن الإقدام على تنفيذ ما يجب القيام به حيال هذه الجريمة.
يقدّم دونالد ترامب ساقاً ويؤخر أخرى، ويحذر كونغرس بلاده، ويخاطبه أكثر مما يخاطب الجهة المنفذة للجريمة، وهو يبدي حرصاً على عقود تسليحٍ بمبالغ خيالية، وعلى ملايين فرص العمل، فيما تقدّم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خطوة إلى الأمام، عندما أعلن عن استعداده لتوقيع عقوبة ضد "أشخاصٍ" مشاركين في الجريمة، لكنه بذلك يلقي باللائمة على مجموعة أفرادٍ، متبنياً الحكاية السعودية، والسبب هو عقود تسليح ذاتها. كما أن علاقة المملكة مع روسيا تكاد لا تتجاوز عقود التسليح، وروسيا كما هو متوقع لم تكتفِ بتصديق الرواية السعودية الرسمية، بل أثنت عليها.
بعد مؤتمر ثلاثي فرنسي وبريطاني وألماني، وحدها ألمانيا علَّقت صفقات السلاح، ولكن ليس لدى ألمانيا بالذات عقود تسليح مع السعودية! لأنها، بحسب إعلان سابق في بداية العام الحالي، أوقفت مبيعاتها العسكرية إلى الرياض بسبب حرب اليمن، وهي لم تتجاوز أصلاً 150 مليون دولار في العام 2017، فيما ترتبط السعودية مع كل من بريطانيا وفرنسا بعقود توريد أسلحة بقيمة كبيرة تتجاوز المليار دولار، وهذه من غير المحتمل أن تتوقف، ولن تتأثر بالتحقيق، أو ما قد ينتج عنه، بل قد تكون هذه العقود هي ما سيقود مسار التحقيقات.
لم يتردّد اسم إسبانيا كثيراً في الأزمة الأخيرة، وهي التي تملك عقوداً ببيع قنابل ذكية وأسلحة أخرى إلى السعودية، ولا يبدو أنها في وارد إلغائها أو التعرّض لها أو حتى تأخيرها.
أطلق بن سلمان، من منبر المؤتمر الاقتصادي، على عمليات التنمية اسم "معركة"، ونصَّب نفسه قائداً عاماً لها، بعد أن عدّد دول الإقليم والجوار. قراءةُ هذا الموقف مقرونةً بالتحرّك السعودي، والطريقة التي يتم كسب الأصدقاء بها، يمكن أن يؤدي إلى نتيجةٍ وحيدةٍ، هي أن ما يدور حرب حقيقية تستخدم فيها الأسلحة الحية بالتهديد بإلغاء استيرادها، أو التهديد باستخدامها، مع ما في تكديسها من خطر دائم. وفي البحث عن التنمية التي هي الهدف المعلن، لن نجد منها إلا ما تخلفه المعارك، فالساحة التي تعجّ بالأسلحة المصنوعة وفق أحدث تكنولوجيا، والمستوردة خصيصاً لتشغيل اليد العامة التي تصوِّت في الانتخابات في دول الغرب، يعادل احتمال التنمية فيها الصفر.