آفاق للاحتجاجات المتجدّدة المناهضة لترامب

آفاق للاحتجاجات المتجدّدة المناهضة لترامب

28 يناير 2018

احتجاج ضد ترامب أمام البيت الأبيض في واشنطن (11/9/2017/Getty)

+ الخط -
بعد أن هَمَدَت الاحتجاجات التي سبقت تنصيب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورافقت التنصيب واستمرت بعده، والتي اندلعت، بداية السنة الماضية، في عدة مدن، في الولايات المتحدة وفي العالم، وتواصلت أياما، عادت الآن إلى الظهور، مع حلول الذكرى السنوية الأولى لتنصيبه في رئاسة البيت الأبيض. وعلى الرغم من أن عودتها تُحيي آمال الأميركيين المناهضين لترامب في بزوغ حركة ضغطٍ تجبره على تعديل سياساته الإشكالية، إلا أن هذه العودة تثير التساؤل، أيضاً، بشأن آفاقها التي يمكن أن تكسبها الفاعلية، إضافة إلى مدى قدرتها على الاستمرار، ومن ثم التأثير. كما أنها تثير التساؤل عما ينقصها لتتحول إلى قوة ضغطٍ وتأثير دائمة، لا تغير في سياسة الرئيس، فحسب، إنما تغير في النظام السياسي الأميركي برمته، لكي لا تعود المشكلات الراهنة للظهور.
وكانت الاحتجاجات قد انطلقت يومها بسبب ما تكهنه منظموها من تهديداتٍ ستطاول حقوقهم المكتسبة التي لم يتوانَ ترامب عن وضعها ضمن قائمة الاستهداف التي جهزها لفترته الرئاسية. وكان من أهم تلك الحقوق قانون الرعاية الصحية وحقوق الإنجاب والسكن والعمل، والأخرى المتعلقة بحقوق المهاجرين وحماية البيئة والمساواة بين الأعراق. إضافة إلى حقوق المرأة التي تَبيَّنَ، من خطاب ترامب العنصري، المتحيز ضد قضاياها، خلال فترة السباق الانتخابي وبعده، أنها أهم البنود التي يضعها في أجندته للاقتناص من حقوقها، فاندلعت على إثرها ما عُرفت بـ "المسيرات النسائية" التي شارك فيها ملايين الأشخاص، وجذبت إلى صفوفها فنانين وكتابا وشخصيات اجتماعية.
وعلى الرغم من أن تلك الاحتجاجات لم تكن مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث كانت 
المرة الأولى التي تندلع احتجاجاً على رئيسٍ لم يستلم منصبه بعد، للتعبير عن معارضة انتخابه، إلا أنها كانت بلا آفاق تديمها فتثمر، مما سرَّع من همودها واختفائها، إلى أن عادت، أخيراً، مع حلول الذكرى الأولى لاستلام ترامب مهامه رئيساً. وكانت الانطلاقة، في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري، عندما خرجت المظاهرات دفعة واحدة في 300 مدينة أميركية، بما فيها المدن الرئيسية، واشنطن ونيويورك وسان فرانسيسكو ولوس أنجليس وشيكاغو وغيرها، وشارك فيها ملايين الأميركيين.
لكن، وعلى الرغم من أن عودة الاحتجاجات تدل على أن جذوة الرفض لدى الأميركيين لم تنطفئ، إلا أنها تبدو عقيمة حتى الآن. واللافت أن مشاركين فيها تحدثوا عن النجاح في حشد هذا العدد من المتظاهرين، معتبرين إيِّاه النجاح المرجو، لكنهم لم يتحدثوا عن نتائجه التي يبدو أنها ما تزال غائبةً. وأمام سيلٍ من مليارات الاعتراضات والتعليقات والتويتات التي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإعلام، وتحمل المشاعر الرافضة لترامب وسياساته، تبدو إمكانية تحويل مجراها لتتبدّى في حركةٍ سياسيةٍ منظَّمةٍ، تُبنى على أسس تغييرية، تبدو هذه الإمكانية معدومة، حتى الآن، بسبب غياب الآفاق والأهداف الكبيرة والاستراتيجية.
وكان لافتاً أنه أمام تحوُّل الدولة الأميركية إلى دولة بوليسية، بعد هجمات "11 سبتمبر" في 2001، وانقضاضها على المجتمع المدني الأميركي والحريات فيه، بحجة محاربة الإرهاب، كانت مقاومة ذلك التَّحوُّل هزيلةً على المستوى الداخلي. ففي كل التحركات المناهضة للسياسة الأميركية، المتبعة في المجالين، الاقتصادي الداخلي والسياسي العام، منذ انطلاق احتجاجات مناهضي العولمة، والاحتجاجات على غزو العراق، سنة 2003، مروراً بحركة "احتلوا وول ستريت"، سنة 2011، وصولاً إلى الاحتجاجات الجديدة المناهضة لترامب، كانت هنالك حلقةٌ مفقودةٌ تمظهرت في عدة نواحٍ، أهمها غياب سؤال، "ماذا بعد"؟ هذا الـ "بَعد" الذي يتضمن كيفية الارتقاء بتلك التحركات، وكيفية إحداث استراتيجية النقاط، من حيث تسجيل نقاط الربح والاحتفاظ بها والمراكمة عليها.
وفي حين تتميز سياسة الحكومة الأميركية بالهجوم، تتمثل ردود فعل الناشطين بالدفاع، وبتوعية الناس إلى (غياب العدالة). مع العلم أن المشكلة تكمن في النظام السياسي، المحصورة إدارته، بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري الحاكمين اللذيْن أصبحا أشبه بحزبٍ واحدٍ، يضع سياسة 
البلاد من دون إيلاء المشاركة الشعبية بالقرار أي اهتمام، وهو الأمر الذي سيبقى ماثلاً، ما دام المحتجون باقين في موقع الدفاع، حيث الهجوم هو أبسط العوامل في استراتيجيات الربح.
ومع ذلك، يُسجَّل للتحركات الجديدة، وقبلها لتحركات حركة "احتلوا وول ستريت"، التنظيم الجيد والقدرة على التحشيد. حيث ظهر أن الاحتجاجات خرجت سنة 2011 بناءً على دعوة منظمي حركة "احتلوا" في 1500 مدينة أميركية وعالمية في وقت واحد. كما أن الاحتجاجات الأخيرة ظهرت في وقت واحد في أكثر من ثلاثمائة مدينة أميركية. ومن المميز أن جميع المظاهرات رفعت الشعارات نفسها المتفق عليها، إضافة إلى الرموز نفسها التي تُظهر صبغة التضامن والتوافق بين المحتجين. ولكن إذا وضعنا في حسابنا أن الحركات المنظمة وحدها القادرة على إدامة هذه التحركات، وجعلها أكثر فاعلية، فإن نظرة إلى نسبة المنتظمين في المنظمات العمالية، والتي تدهورت من 35% أواسط خمسينيات القرن الماضي، إلى أكثر بقليل من 10% من عمال الولايات المتحدة، هذه الأيام، يدلنا على أن هنالك حلقة أخرى مفقودة، من الصعب توفرها قريباً لإحداث التأثير.
نقل الإعلام الجديد، ومنه وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، التحركات من حالة كونها جزراً متباعدة وتفتقر إلى التنسيق، إلى حالة التكتل الواحد الذي يخرج، في الوقت عينه، ويرفع الشعارات ذاتها. لكنها تبقى خجولة بالمطالب وفاقدة الرؤية التي تضع تصوراً لما سيكون عليه الأمر، وحال البلاد وسياسييها وسياستها، في اليوم التالي لنجاح التحرك.
46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.