"المعارضة" القطرية.. ولادة ميتة

"المعارضة" القطرية.. ولادة ميتة

16 سبتمبر 2017
+ الخط -
أحاط منظمو أول ظهور لما أطلقوا عليها "المعارضة القطرية"، في لندن يوم 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، بكثيرٍ من السّرية والإجراءات الأمنية (الفندقية)، كما حرصوا على دعوة أعداد محدودة ممن توافقت أهواء بعضهم مع حجم توافقهم مع الجهات الداعمة للمؤتمر؛ وهي الجهات نفسها التي تقاطع قطر منذ أكثر من مائة يوم.
مؤتمر لندن قد يوصف، في قابل الأيام، بـأنه سيئ الصيت، بسبب غياب القطريين عنه، ولإحلال شخصيات أجنبية لم ترتب كلماتها وحججها بشكل منطقي، استعصى عليها إقناع الحضور، أو لفت نظرهم (لم يتجاوز عدد الحضور خمسين شخصا ضمنهم الإعلاميون) فكيف يفترض بهم إقناع الشعب القطري صاحب القضية وراعيها! وقد حدّد هذا المؤتمر الذي وسم نفسه بشعارٍ لا علاقة له بموضوعه "قطر في منظور الأمن والاستقرار الدولي" لنفسه ثلاثة محاور رئيسية: قطر، الإسلام السياسي والدعم الإرهابي. قطر وإيران والسياسة الخارجية. "الجزيرة".. الصحافة الحرة مقابل صوت الرعب.
افتتح خالد الهيل أعمال المؤتمر بكلمةٍ، كان الأنسب له لو أنه لم يقلها، لأنها كانت مصدر الرثاء الأول له، ولبقية محاور المؤتمر، فبدل أن يجعل من كلمته مدخلا يتوافق وشعار المؤتمر، انهال على الحكومة القطرية بسيل من الاتهامات بشأن حقوق الإنسان، وحاول إظهار الأوضاع في قطر وكأنها من صور الأنظمة البوليسية، وأن "آلافا" (!) من القطريين يقبعون في السجون، ويتعرّضون فيها لأشد أنواع التعذيب، ناهيك عن ادعائه كراهية الشعب القطري أميرهم الشيخ تميم، وأن الجميع يعانون من سلطة آل ثاني عليهم.

برزت شخصيتان من المتحدثين كانتا متوازنتين إلى حد واضح في طرح الأمور الموكلة لهما، الجنرالان، الأميركي شوك وولد والإسرائيلي شلومو بروم. ومن المفارقات أن منظمي المؤتمر، المتحدث عنه، استعانوا بضابط إسرائيلي كبير، لغرض بيان حجم التعاون الإسرائيلي القطري، في حين كان ضيفا مهما على مؤتمرهم، في دلالة واضحة على طلب المباركة الإسرائيلية لهذه "المعارضة"، لكن الرجل لم يتهجم على إدارة دولة قطر، ولم يتبجح بوجود علاقة مميزة بين قطر وإسرائيل، وقال إن سبب وجود العلاقة رغبة إسرائيل بوجود طرف عربي يمكن أن يكون وسيطا في أي حاجةٍ لمباحثات مع حركة حماس، فيما يتعلق بجنود إسرائيليين أسرى أو قضايا أخرى، فيما كانت قطر، بحسب قوله، متفهمةً لحاجة كل الأطراف لوجود معاهدات سلام بين العرب وإسرائيل، غير أن هذه العلاقة تدهورت كثيرا بعد الربيع العربي.
أكد الجنرال شوك وولد على ضرورة وجود خريطة طريق بالنسبة لموضوع قطر؛ وأن على الأطراف التي تقاطعها الآن الجلوس على طاولة الحوار، وعدم تركها لإيران التي رأى أنها وقطر يستغلان بعضهما بعضها. وخصص الرجل جزءا من حديثه لموضوع القاعدة الأميركية في قطر، وعدم وجود علاقة بين استمرار وجودها هناك والأوضاع الحالية مع العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
لا علاقة لكل هذا الحديث، وغيره، في مؤتمر لندن، بموضوع "المعارضة القطرية"، والتجاوزات على حقوق الإنسان، وإنما هو حديث عام أعد بشكل غير منهجي ولا واقعي، حتى أن صحافيا بريطانيا، وكان جالسا بقربي في قاعة المؤتمر، وصف حال المحاضرين وطريقة تقديمهم كلماتهم غير المصوّبة بعبارة ضاحكة "Just Doing". وكان الجميع ينتظر أن يظهر من القطريين من يلهب قاعة المؤتمر حيويةً ومصداقية فيما يخص "مظلومية" الشعب القطري، وحجم الضرر الذي يرزخ تحته، حتى برز القطري الثاني ليجلس شاكيا حاله، وحال عشرات من أبناء قبيلته التي قال إن الحكومة نزعت عنهم الجنسية القطرية، من دون أن يذكر السبب، ثم جعل بقية كلامه استجداءً لرحمة الدول التي يمكن أن تمنحهم اللجوء والرعاية المناسبة. وكنت على يقين من أن الرجل لم يستطع إقناع شخص واحد في القاعة بما ذكره من افتراءات على دولة قطر، حتى رئيس الجلسة التي ظهر فيها، الصحافي المخضرم في "بي بي سي" جون سيمبسون.
وضعت قناة الجزيرة في مقدمة أحد محاور المؤتمر، لكنها لم تُواجه بأية اتهامات حقيقية، إلا التي سيقت بحق الحكومة القطرية في شأن الدعم المزعوم للإرهاب، فجاء الكلام عن الفضائية
الشهيرة باهتا وغير مقنع، وتم فيه الإتيان على حوادث محددة ومحدودة، منها نقل "الجزيرة" لتصريح قادة جبهة النصرة عن تغيير اسم جبهته هذه عبر شاشة القناة التي قال مشاركون إنها تميل لصالح منظمات "إرهابية"، مثل حركة حماس، وكذا حزب الله في غضون الحرب الإسرائيلية العدوانية على جنوب لبنان. ثم تطرق متحدثون إلى إظهار "الجزيرة" سلوكيات خاطئة في الغرب، وتركيزها على بيان الكيل بمكيالين في القضايا التي تخص المنطقة العربية. وطوال أكثر من ساعتين منحتا لهذا المحور، لم أتيقن حقيقة مما إذا كانت الكلمات دفاعا عن "الجزيرة" أم أنتقاصا منها.
وطلب رئيس المؤتمر، خالد الهيل، من الإعلاميين الحاضرين أن يجروا معه مؤتمرا صحافيا، وكانت إجاباته على الأسئلة انفعالية مليئة بالاتهامات لحكومة قطر، وزاد ربما من انفعاله إحساسه بعدم تصديق الإعلاميين رواياته. وقد سألته عن خطوة "المعارضة القطرية" بعد هذا المؤتمر، فكان جوابه غريبا ومستهجنا من كل الإعلاميين: سنعقد مؤتمرا تحت عنوان "قطر 2022" غرضه تقديم ما يمكن تقديمه لسحب ترشيح قطر لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022. .. وبذلك تكون هذه أول معارضة في العالم تسعى إلى إفقاد بلدها، وليس حكومته، فرصةً تتسابق من أجلها كل الدول، وذلك صدورا عن نزعة الإيذاء التي يبدو أنها تملّكت القطريين الثلاثة الذين شاركوا في المؤتمر، فوقّعوا فيه شهادة وفاة أي معارضة قطرية، وأفشلوا جهودا دول تسعى إلى تعريض قطر وشعبها ويلات فقدان السيادة وذهاب جهود عقدين ومليارات الدولارات سدى.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن