كتيبة الموت في برشلونة

كتيبة الموت في برشلونة

23 اغسطس 2017

شموع وورود في موقع الدهس في برشلونة (21/8/2017/الأناضول)

+ الخط -
روّعوا العالم، عندما اختاروا شهر أغسطس/ آب، وساحة لارامبلا في برشلونة، وشاحنة مجنونة، ومراهقا عمره 17 عاما، لتنفيذ عملية إرهابية قضى فيها 15 بريئا، وجرح 118 سائحا. إنها كتيبة الموت من 12 إرهابيا إسبانيا من أصل مغربي، لعب بعقولهم تنظيم داعش، ودفع بهم إلى المحرقة.
ماذا جرى؟ قبل أكثر من ستة أشهر بادر إمام مسجد، اسمه عبد الباقي العيساتي (44 عاما)، كان قد سُجن لتهريبه مخدراتٍ، وأطلق سراحه في العام 2012، بادر هذا الرجل الذي يحفظ شيئا من القرآن الكريم إلى إقناع أسر مهاجرة في قرية ريبول في ضواحي برشلونة، بتأسيس مسجد في القرية للمهاجرين المغاربة. وبدأ يجمع حوله شباب القرية، ويلقنهم دروسا عادية في النهار. وفي الليل، كان يشتغل لحساب "داعش" الذي زوّده عبر الإنترنت بتقنيات غسل دماغ الشباب، وبتكنولوجيا صناعة المتفجرات. وهكذا جنّد أكثر من 11 شابا، أصغرهم موسى أكابير (17 عاما). وقبل شهرين من عملية لا رامبلا، ودّع الإمام معارفه في ريبول، وأخبرهم بأنه عائد إلى المغرب، ولن يكمل عمله في مسجد النور، والحقيقة أنه أكمل مهمته على الوجه المطلوب، واكتملت الخطة، وحان التنفيذ.
انعزل العقل المدبر في شقةٍ في برشلونة مع 150 قنينة غاز، و11 إرهابيا أصبحوا جاهزين لتنفيذ أي شيء يُطلب منهم. وقع تماسّ كهربائي في الشقة، فقتل الإمام قبل أن يوزّع قنينات الغاز هذه على مواقع كثيرة لقتل أكبر عدد من الضحايا، ما دفع الخلية إلى الإسراع في تنفيذ ما قدروا عليه من الخطة الأصلية للعملية، فقد ركب أحدهم في شاحنة مجنونة، ودهس مئاتٍ في أشهر ساحةٍ في برشلونة، فيما حمل أربعة آخرون أسلحة بيضاء، وقصدوا الشارع لتوزيع القتل العشوائي على كل من يجدونه في طريقهم، قبل أن يُقتلوا برصاص الشرطة.
هذه هي الوقائع، كما رواها الأمن والصحافة الإسبانيان، أما دلالاتها فما زال الوقت مبكّرا لجمع كل خيوطها، لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى بعضها.
أولا: كل أعضاء خلية الـ 12 مغربيا، باستثناء رأس الأفعى، دون الثلاثين عاما، وبعضهم أقل من 18 عاما، ولا سوابق جهادية لهم، ولا انتماء فكريا أو أيديولوجيا لهم، بل بعضهم أقرب إلى عالم الإجرام منه إلى أي نوع من التدين أو الالتزام الأخلاقي أو القيمي. وهذا يكشف عن التقنيات الجديدة لاصطياد شباب صغير أو جانح أو يعيش في أسر مفكّكة، وغير مندمجة في محيطها الأوروبي، علاوة على فعالية تنظيم داعش في تجهيز مقاتليه، وغسل أدمغتهم عبر "النت"، وبواسطة خلايا معزولة وشبه مستقلة، وبإمكانات بسيطة جدا.
ثانيا: ولد أغلب هؤلاء، أو كبروا، في إسبانبا، ويحملون جنسيتها ودرسوا في مدارسها، ولا تربطهم بالمغرب غير أسمائهم، وانتماء مفترض إلى الإسلام كما تعلّموه من (إمام ) مزوّر كان يتاجر في المخدرات، وعثر على سوق الجهاد العالمي فصار من مورّديه، مستغلا حداثة سن الشباب، وتفكك بعض أسرهم وضياع الجيلين، الثاني والثالث، في بلاد لا يعرف كيف يعيش فيها، فاختار كيف يقتل ويقتل فيها.
ثالثا: ما يقوله الغرب عن استعمال المساجد لترويج الفكر الديني المتطرّف في نسخته الداعشية صحيح، وليس من الكليشهات التي ترتبط بالإسلاموفوبيا، وهذا ما يبرّر دعوات وزارات الداخلية في أوروبا إلى إيجاد "إسلام أوروبي" منفصل عن نمط التديّن الشرقي الذي اختطف منذ عقود من منارات الإسلام المعتدل في الأزهر والزيتونة والقرويين وبغداد ودمشق، لصالح إسلامٍ آخر، وتيارات الإسلام السياسي الناقمة على الاستبداد والفساد في بلاد العرب.
رابعا: في كل مرةٍ يضرب الإرهاب في أوروبا، نجد مغاربةً، بالجنسية أو الولادة أو الاسم أو الأصل.. ومعنى هذا أن كل التيارات الدينية الراديكالية وغير الراديكالية في الشرق والغرب تجد في مهاجري المملكة المغربية، أو مواطنيها الأصليين، خزانا بشريا جاهزا للاستعمال، وللانخراط في مشاريع الإرهاب العالمي والجهاد العابر للقارات، وهذا الأمر يسائل سياسات الدولة الاجتماعية والتعليمية والدينية في الداخل، وتجاه خمسة ملايين مغربي موزّعين على دول الهجرة.
هناك أسباب أخرى تتعلق بدول الاستقبال والظرفية العالمية، واختلال النظام الدولي، واتساع الفوضى التي استغلها الإرهاب، لتصير له دولة وشبكات وقاعدة خلفية تصطاد الحلقات الضعيفة لتجعل منهم حطبا للقتل الأعمى.

دلالات

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.