عندما يتجدّد الحراك الاحتجاجي في مصر

عندما يتجدّد الحراك الاحتجاجي في مصر

22 اغسطس 2017
+ الخط -
عادت مظاهر الحركة الاحتجاجية الاجتماعية إلى المشهد المصري، بعد فترة سكون نسبي. وبعد طول انتظار لتحسّن الظروف المعيشية، عاد العمال لممارسة الاحتجاج بشكل لافت، بالتظاهر والاعتصام والإضراب. ولعل إضراب عمال غزل المحلة أخيراً مؤشر على انطلاقة قوية للحركة العمالية، بعد محاولات عديدة لحصارها. بدأ قبل أسبوعين، وهي فترة طويلة نسبيا، وتدل على قوة العمال وصمودهم النابع من عدالة مطالبهم المتعلقة بصرف حافز الغلاء وزيادة البدلات وإقرار الترقيات، كما يحتل الإضراب أهميةً خاصةً لعدة أسباب، منها أن لدى عمال المحلة خبرة عمالية وتراثا نضاليا ممتدا منذ الأربعينيات. وتعد تحركاتهم قاطرة يتبعها عمال قطاع الغزل والنسيج، كما أن شركة المحلة أكبر شركات الغزل من حيث المساحة والعمالة (يزيد عن 16 ألف عامل)، وبذلك تمثل ثقلا عماليا نضاليا في أوساط عمال الغزل الذين يمثلون ثلث العمالة الصناعية، أضف إلى ذلك أن عمّال المحلة وأهاليها كانوا شرارة انطلاقة انتفاضةٍ شعبيةٍ، شارك فيها أكثر من مائة ألف مواطن في تظاهراتٍ أسقطت صور حسني مبارك، وهاجمت سلطته وحزبه، فشكلت الواقعة مع نشاط الحركة العمّالية معول هدم نظام الفساد والاستبداد المباركي. لذا، يتخذ إضراب المحلة أخيرا أهمية ومؤشرا على تصاعد الحركة الاحتجاجية مستقبلا، وستكون القطاعات العمالية التي تعاني من تراجع القوة الشرائية للجنيه، وزيادة أسعار السلع، وعدم تناسب الأجور مع الأسعار، في أول صفوف الاحتجاج، بحكم أن الطبقة العاملة تمتلك إمكانية التنظيم الذاتي، وأدوات الدفاع عن نفسها، المتمثلة في الإضراب والتظاهر والاعتصام، وبينها علاقات تضامن. ومن المتوقع أن تتسع الاحتجاجات خلال الشهرين المقبلين، خصوصا مع بداية الفصل الدراسي الأول، وما يفرضه من أعباء على أرباب الأسر لتوفير المستلزمات الدراسية.

بالإضافة إلى الاحتجاجات العمالية، شهد عام 2017 تحركات احتجاجية عديدة متعلقة بالحق في السكن والأرض، بالإضافة إلى احتجاجات أخرى ضد التعذيب والقتل خارج القانون، كما حدث أخيرا احتجاج في الأقصر على قتل مواطن. ويعطي هذا المشهد الاحتجاجي المتنوع مؤشرا إلى أنه مهما توسع الحصار البوليسي، ومهما تنوعت حالات التخويف والتهديد بالحبس، فإن ذلك لا يمنع الفئات المظلومة من الحراك والتعبير عن مطالبها وأزمتها، لأن تلك الفئات لا تملك ما تخاف عليه. ويؤشر هذا إلى أن السلطة يمكنها تأجيل الحراك، أو خداع بعض الفئات لتسكن، لكنها لا تستطيع السيطرة على المجتمع ككل، وتكتم أنفاسه طوال الوقت. وعلى الرغم من القمع المكثف ضد أشكال الاحتجاج منذ عام 2014، بما فيها استخدام قنابل الغاز والاعتداء وتحويل العمال إلى محاكمات عسكرية، بتهمة الإضراب (مثل عمال الترسانة البحرية)، إلا أن ذلك لم يمنع الطبقة العاملة من التعبير عن مطالبها في ظروف عملٍ عادلة.
بالإضافة إلى احتجاجات عمال المحلة، هناك أشكال من الاحتجاجات، مارستها فئات أخرى، منها احتجاجات أهالى جزيرة الورّاق ضد محاولات الاستيلاء على أراضيهم وإخلائهم قسرياً، فقد شهدت الجزيرة مصادماتٍ عنيفة قتلت فيها قوات الأمن أحد شباب الجزيرة، وحبست عشرات الشباب. وبعد شهر من استمرار الاحتجاجات، أدركت الدولة أن تهجير السكان ليس أمرا يسيرا، سيتم تحت وطأة التهديد والحصار الأمني، خصوصا أن قضية أهالي الجزيرة حظيت بمتابعةٍ ورفض من قطاعات من الرأي العام الذي رأى أن الحكومة تريد بيع جزيرة الورّاق للإمارات، كما باعت جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. وقد دفع هذا المشهد المعقد الدولة إلى اتخاذ طرق أخرى لاحتواء هزيمتها أمام الإرادة الصلبة لأهالى الجزيرة، فحاولت أجهزة الدولة تقسيم صفوف المحتجين ومحاولة تفتيتهم، واستمالة بعضهم. وطرحت خطابا يصنفهم مستأجرين وملاك أراض وواضعي يد، مع أن الأصل في المسألة، إذا استلزمت المصلحة العامة إخلاء كتل سكانية من أماكن وجودها لزم تعويضها بشكل عادل، وتوفير بدائل عادلة لهم بعد حوار مجتمعي، وهو ما حاولت فعله أجهزة الدولة، بعد فشل الحصار الأمني والطرق الملتوية، لما عقد رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، كامل الوزير، أكثر من جلسةٍ مع بعض أهالي الجزيرة، منها واحدة وجه فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى رسالةً عبر الهاتف، تطمئن الأهالي، وتؤكد حرصه على "مصلحة المواطنين والوطن وتنفيذ القانون"، إلا أن هذا لم يغير من موقف أهالي الجزيرة كثيرا، فعقد كامل الوزير مؤتمرا شعبيا ضم آلافا من الأهالي، إلا أن خطابه الذي انطلق من التهجير مقابل تعويضات للسكان تضارب مع رغبة الأهالى في
تطوير الجزيرة من دون تهجير أهلها. وقرّر الأهالى تشكيل مجلسٍ يمثلهم للتفاوض مع أجهزة الدولة، بينما استمرّت المسيرات الليلية والنهارية على أرض الجزيرة، والتي كان جديدها المظاهرات التي شارك فيها آلاف من السكان، تحت شعار "همضى بدمي مش بالحبر/ عمري ما أفرط منها في شبر".
أخيرا، يمكن التأكيد على انحطاط معالجة وسائل الإعلام الاحتجاجات، سواء فيما تعلق بأحداث غزل المحلة أو أهالى الوراق، حيث اتهم العمال بتعطيل الإنتاج، على الرغم من أن تكلفة تلبية مطالب العمال ووقف الإضراب 24 مليون سنويا، في حين إن تكلفة الإضراب ثلاثة ملايين جنية يوميا، ما يعنى أن الدولة ترفض تلبية مطالب العمال، فتزيد بذلك خسائر الدولة وتمدّد الإضراب بعنادها. كما خسرت الشركات من قبل عبر تولي مجالس إداراتها الفاسدين. وحين رفضت تلبية مطالب العمال بتطوير الشركات، وإصلاح معدات الإنتاج، بينما ما يهمها فرض إرادتها بالقوة والتهديد. وبرزت في مشهدي المحلة وجزيرة الورّاق أدوار أعضاء مجلس النواب، متعارضةً مع مصالح أهالي دوائرهم، وأثبتوا أنهم مجرّد أدوات في يد أجهزة الأمن التي جاءت بهم إلى البرلمان، كالإعلاميين الذين يستنكرون على عامل راتبه 1300 جنيه المطالبة بزيادة راتبه 200 جنيه، بينما قد يكلف أحدهم الحذاء الذي يرتديه عشرة أضعاف راتب هذا العامل الذي يستنكر عليه إعلام السلطة المطالبة برفع راتبه المنخفض.
D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".