تلعفر والحشد الشعبي

تلعفر والحشد الشعبي

15 اغسطس 2017
+ الخط -
تتضارب الأنباء والتصريحات حول موضوعة اشتراك مليشيا الحشد (الشعبي) في العراق في عملية تحرير قضاء تلعفر (غرب الموصل) من قبضة تنظيم داعش الإرهابي؛ فتارة يعلن المتحدث باسم الحشد، أحمد الأسدي، عن مشاركة في هذه المعركة وفق أوامر رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، حيدر العبادي، وتوجيهاته. وتارة يقول قيادي آخر في الحشد نفسه، جواد الطليباوي، إن فصائل الحشد لن تشارك في هذه المعركة.
تلعفر، القضاء الذي يمثل عقدة رئيسية في التوازنات الإيرانية التركية بسبب طبيعة سكانه، وهم من التركمان من المذهبين الشيعي والسني، أولا، ثم بسبب موقع تلعفر الاستراتيجي المؤثر على فرضية الأمن القومي التركي من جهة، ومخططات إيران وأهدافها المتصاعدة في رفع مساحة نفوذها الإقليمي وبلوغ سواحل البحر المتوسط من أقصر الطرق.
عوامل السكان والموقع والرؤى الإستراتيجية تجعل من معركة تلعفر المقبلة ليست مثل باقي المعارك التي خاضتها القوات العراقية مع تنظيم داعش في العراق، وحتى التي تجري في سورية وسواها، حيث أن الطرفين الإقليميين يعلمان أن أي خطأ في تقديرات الفرضيات المحتملة لهذه المعركة يعني احتمالية كبيرة لنشوب صراع مذهبي كبير، هو في الحقيقة واجهة
لصراع تركي – إيراني على آخر آمال أنقرة في الحفاظ على بعد سوقي واستراتيجي لأمنها القومي في داخل الأراضي العراقية، فيما يمثل بالنسبة لطهران آخر عقدة استراتيجية تحول دون تحقيق حلمها الثوري (المذهبي) لبسط نفوذها على كامل العراق، ثم تأمين خطّها البريّ نحو سورية فالبحر المتوسط.
معركة تلعفر مقبلة إذن بكل محاذيرها، وقد أكملت القوات العراقية استعداداتها لخوضها، ومهما يصرح به هذا الطرف أو ذاك عن اشتراك مليشيا الحشد الشعبي في هذه المعركة من عدمه، فإن التحليل السياسي والعسكري لمعارك تحرير الموصل بمناطقها المتعددة يشير إلى أن هذه المليشيا سوف تشترك وبشكل رئيسي وفاعل، وفي الغالب ستكون من يمسك الأرض بعد تحريرها، فمليشيا الحشد التي تعمدّ القائمون على إدارة معركة تحرير الموصل عدم إبراز دورها، وتقليص نسبة الأخبار الواردة عنها في هذه المعركة إلى أدنى الحدود، دفعت أغلب قواتها صوب قضاء تلعفر، وبقيت هناك تنتظر إشارة البدء بالهجوم، بعد أن أطبقت على أجزاء مهمة من محيط تلعفر، بينها مطار المدينة.
سياسيا، ركّز رئيس الوزراء العراقي في تصريحاته وخطبه التي رافقت عمليات تحرير الموصل على الدور الفاعل لمليشيا الحشد الشعبي، وانبرى شخصيا للدفاع عن تجاوزات عناصر الحشد وانتهاكاتها، والتي أكدتها ووثقتها منظمات حقوق الإنسان العالمية، في محاولة مرسومة له، أو من قبله، لتمهيد تقبّل العالم دور مليشيا الحشد في معركة تلعفر، كما أن تشكيل مليشيا شيعية موالية لطهران تحت مسمى "الحشد التركماني"، ووضع قرار تحويل قضاء تلعفر إلى محافظة تحت بند "التأجيل" إلى ما بعد عملية تحرير نينوى، وهو يعني بالنسبة للموصليين والأتراك إنشاء محافظة "شيعية" في قلب منطقة "سنيّة" بالمطلق، يمثل خطوة واضحة، تفهمها تركيا جيدا استهدافا مبرمجا لتغيير ديموغرافي واستراتيجي كبير يمس أمنها مباشرة. يضاف إلى هذا المشهد التصريحات المباشرة للمسؤولين الأتراك، وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان، والتي أشار فيها إلى وجود علاقة متينة وتنسيق عال بين مليشيا الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، والموسوم بالإرهاب وفق المنظومة السياسية والأمنية التركية والدولية، وهو أمر يكفي وحده لتدخل عسكري تركي رسمي.
اللعبة كبيرة، والمخططون يسعون إلى كسب الوقت والأرض والتأييد الدولي بكل أنواعه. لذلك، من كان يهاجم مليشيا الحشد على أنها موالية لإيران يهاجمها اليوم على أساس أنها أداة إيرانية (وليس موالية فقط)، ومن كان يظن أن هدف هذه المليشيا تخليص العراق من تنظيم إرهابي (داعش) بات الآن يراجع نفسه مرارا بشأن الدور الحقيقي لهذه المليشيا، ومآلات برنامج
نفوذها المقبل. وهنا يبرز عنصران حقيقيان لهذا البرنامج، ثالثهما العراق بكل ما يعنيه من وحدة تراب وشعب ومستقبل. الأول تركيا، والثاني العربية السعودية والكويت؛ ذاك أن مناطق النفوذ الإيرانية (الحشد)، سواء من الناحية الجغرافية أو العقائدية المتغيرة بالقوة أو بالتهجير القسري، تمتد من ديالى فسامراء وبيجي وتكريت والموصل وأغلب مناطق نينوى، ثم جنوبا باتجاه المناطق الغربية الحدودية للعراق مع سورية، وأخيرا منطقة النخيب التي تجاور العربية السعودية، وتشكل بتغييرها ديموغرافيا تحديا لا يقل عن تغيير واقع تلعفر بالنسبة إلى تركيا. والاثنتان ستكونان من مرتكزات إيران في مشروعها الإقليمي المتسارع في النمو.
ستكون معركة تلعفر ربما آخر معارك الحشد الشعبي تحت شعار "التحرير" من "داعش"، وهو أمر استعدت له إيران جيدا، كما تتهيأ المرجعيات لبلورة موقف إزاء إيجاد صيغة تحفظ لطهران هذه الأداة الفاعلة، ليس في العراق وحده، بل في عموم المنطقة. ولن يكون لأحد القدرة على معالجة المارد الكبير الذي بدأ يخرج من قمقم هذه المرجعية، إن لم يحسم أمره الآن. ويجب أن تكون هناك ضغوط عراقية وطنية (عربية كردية تركمانية) على حكومة العبادي، وبتنسيق مع واشنطن وأنقرة وسواهما، لمنع اشتراك مليشيا الحشد في أية معارك مقبلة، فالعراق اليوم بات يمتلك قوات مسلحة كبيرة وخبيرة بمعالجة أية معركة، كما أن بقاء الحشد، بصيغته الحالية أو التي خطط أن تكون عليه قوة موازية للجيش العراقي، ستكون وبالا على العراق ودول الخليج العربي، وقبلهم تركيا وسورية.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن