قمم الرياض.. وعود تنتظر التفعيل

قمم الرياض.. وعود تنتظر التفعيل

27 مايو 2017

المشاركون في القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض (21/5/2017/الأناضول)

+ الخط -
لم يأت انعقاد القمة الموسعة في الرياض من فراغ. جاءت القمة التي ضمت قادة دول خليجية وعربية وإسلامية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لترد على التحدّي الإيراني وتحدّي الإرهاب، وعلى التحالف الروسي الإيراني. ليس من الممكن في عالم السياسة وتوزع القوى التعامل مع هذه التحديات بغير تفاهم مكين مع الدولة العظمى، فالصين ليست في هذا الوارد، والاتحاد الأوروبي شديد الحذر في خوض مواجهات عسكرية. وقد جرت مثل هذه المحاولة مع الرئيس السابق، باراك أوباما، بغير نجاح، حيث كان يرى الحل ليس بالوقوف في وجه التغوّل الإيراني، بل بحوار سعودي إيراني، علماً أن الحوار مطلب لطهران من أجل استخدامه للتغطية على التمدّد هنا وهناك، في دول عربية وإسلامية. كذلك الحال في التصدّي للإرهاب المقترن أساسا بتنظيم داعش الإرهابي الذي يتكفل بتنمية الإسلامفوبيا في العالم، والذي يناوش ويهدد دولاً ومجتمعات عديدة في عالمنا، باستثناء الدولة العبرية وإيران. من الواجب استئصال شأفة هذا التنظيم الذي باتت أطراف عدة تستفيد منه، للتغطية على جموحها العدواني، وعلى حربها المذهبية، ومن أجل الإمعان في خلط الأوراق.
لعل لبعض الأطراف التي تحفظت على الطابع البروتوكولي المبالغ فيه لقمم الرياض بعض الحق في ذلك، إذ هناك مصالح موضوعية تجمع أطرافاً عربية وإسلامية مع الولايات المتحدة في هذه الآونة بالذات، ولم يأت ترامب كي يناصر القضايا العربية، غير أن ذلك لا ينفي أن القمم جاءت للرد على تحدّياتٍ فعلية وجسيمة، وكان انعقادها أفضل من عدم انعقادها.. فمن يدّعون العداء لأميركا (إيران وروسيا) هم يعادون في واقع الأمر دولاً ومجتمعات وشعوباً عربية، ويرعون الحروب المذهبية والصراعات الطائفية. هذا مع استثناء بعض فصائل اليسار العربي العلمانية وغير الطائفية التي تعادي أيديولوجيا الولايات المتحدة، والتي يحترم المرء خياراتها، وإن كانت هذه الفصائل لا تأخذ علماً ببروز "إمبرياليات" جديدة في موسكو وطهران ديدنها التوسع، والقفز عن إرادات الشعوب والتنافس المصلحي مع أميركا على النفوذ بأي ثمن. ولهذا، أبدت كل من طهران وموسكو توجّساً شديدا من هذه القمم، حتى أن طهران أبدت خشيتها من تبدّد الأموال الخليجية! وكأن طهران حريصةٌ على الثروات العربية في دعم الانقلابيين في اليمن مثلا، أو أنها حريصة على الثروات الإيرانية التي يجري تبديدها من أجل نشر النفوذ في المنطقة، من وراء ظهر الشعوب العربية والإيرانية.
وفي محصلة أولى، أطلقت هذه القمم مناخاً جديداً في الربط بين الإرهاب والتمدّد الإيراني، وإن كانت لم تنته إلى قرارات ذات صفة إجرائية، باستثناء التوجه إلى إنشاء قوة عسكرية، قوامها
34 ألف جندي للوفاء بهذه المهمة. وليس معلوماً كيف يمكن لهذه القوة لدى تشكيلها أن تؤدي دوراً في بلد عربي، مثل العراق، يرفض دخول أي قوات باستثناء القوات الإيرانية أولاً وثانياً وثالثاً، والأميركية رابعاً؟ وكيف يمكن التصدّي لإيران في هذا البلد، وهي التي تمتلك عشرات المليشيات التي تأتمر بأمرها، علاوة على نفوذها في بقية مفاصل الدولة الحساسة. وينطبق الأمر نفسه على سورية، فروسيا ترعى هناك وجود المليشيات الطائفية ذات الولاء الإيراني، وترفض، حتى الآن على الأقل، المساس بها أو تقييد حركتها، على الرغم من انغماس هذه المليشيات في حربٍ طائفيةٍ مدمرةٍ ضد مكون رئيسي في المجتمع السوري. وتحشدات المليشيات الإيرانية في البادية السورية هذه الأيام غير بعيد عن الحدود مع العراق، تمثل تحدياً للالتزامات الأميركية المعلنة.
أما في الحرب على "داعش"، فإن واشنطن وموسكو ما زالتا متفقتين على تلزيم الأمر لقوات الحماية الكردية دون غيرها، فكيف سيتم توسيع الحملة على "داعش" بمشاركة قوة الـ 34 ألف جندي، علما أن تجربة السنوات الست الماضية تفيد بتردّد مختلف الدول في المشاركة بقوات برية، باستثناء تركيا، مع وجود خبراء أميركيين وبريطانيين؟
المقصود إذن التوجّه إلى بناء استراتيجية جديدة. إنه مجرد توجّه، ومن المبكر الحكم عليه، بعد أن أثبتت الفترة الماضية أن الطرفين الأكثر مبادرة على الأرض هما إيران وروسيا، فيما يبدي الآخرون أشكالاً مختلفة من التريث والتردّد، وحتى الإحجام، ومع تفضيل الحملات الجوية غير المنتظمة على ما عداها من أشكال المشاركة، وهو ما أدى عملياً إلى تفاقم الوضع، على الرغم من تحقيق مكاسب ملموسة ضد "داعش"، ولكن مع نشوء مشكلات أخرى، تتعلق بالتغليب الطائفي المستشري في العراق، وزيادة المخاوف التركية ومخاوف البيئة العربية في الشمال السوري من نفوذ القوات الكردية في سورية.
على أن المشكلة الأهم التي تبقى خلال ذلك هي ما تبدّى من إرجاء النظر في القضية الفلسطينية، وعدم الربط بين ضرورة معالجتها في هذه الآونة وحل بقية المشكلات. فالجانب الأميركي يكتفي بإبداء مواقف عمومية حول ضرورة إرساء حل. ولكن بغير ما إشارة الى مرجعياتٍ بعينها، أو جدول زمني، أو طمأنة الأطراف على جدّية التوجه في الأمد المنظور. وأن يتوجه الرئيس ترامب إلى تل أبيب بعد قمم الرياض لا يمثّل جديدا في السياسة الأميركية
التقليدية التي تعتبر دعم الدولة العبرية ركناً ثابتاً في هذه السياسة، لكن الجديد أن ترامب قصد تل أبيب وبيت لحم من دون أن يحمل أية تعهدات مسبقة، وكان من الواجب أن تلزمه قمم الرياض ببعض التعهدات التي لن تخرج، أو تزيد عن التقيد بالشرعية الدولية بما يتعلق بالغزو الاستيطاني أو التهويد القسري للقدس العربية المحتلة، أو دعوة القوة المحتلة لاحترام حقوق الأسرى القابعين في سجونها، والذين يعكفون على صيام اختياري عن الطعام منذ ستة أسابيع.
على هامش ذلك، لوحظ أن صفقات الأسلحة الضخمة الأميركية للسعودية قد تمت بغير تشاور أميركي مع تل أبيب، خلافاً لما كان يجري في عهود إدارات سابقة، على الرغم من التعهد بالإبقاء على تفوق نوعي للتسلح الإسرائيلي في المنطقة، ما جعل الطابع البروتوكولي يطغى على زيارة ترامب تل أبيب وبيت لحم، بانتظار أن تكشف الإدارة الجديدة عن أوراقها، وبما يتعدّى الطرح الهزيل لما يسمى "الحل الإقليمي"، والذي يبدأ بإبداء الدول العربية استعدادها للتطبيع مع الدولة العبرية، وفق مبادرة السلام العربية. فهو حل مقلوب، وعُلم أن الرئيس لفلسطيني، محمود عباس، رفض "العرض"، ولن تعدم واشنطن وسيلةً، إن أرادت، لتطبيق المبادرة العربية بصورة متزامنة، يتعهد فيها الطرف المحتل بالاستعداد لتنفيذ التزاماته بالانسحاب، مقابل تعهد عربي بتطبيع مبدئي، ثم تدريجي، وفقاً لإيقاع الانسحاب وتتابع مراحله. مع التذكير بتجربة اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) التي أدت إلى فتح مكاتب للدولة العبرية في عواصم عربية، ولم تلبث هذه المكاتب أن أغلقت، بعد تخلي الطرف الإسرائيلي، من جانب واحد، عن الاتفاق الذي كان مرعياً أميركياً ودولياً.
يتطلب ذلك أن تبذل الأطراف الفلسطينية والعربية جهودا كافية لحمل واشنطن على اتباع سياسة موضوعية، تقوم على مقاربة جدّية لمعالجة قضية الاحتلال الإسرائيلي، ذات الارتباط الوثيق بتفشي الإرهاب الذي يستثمر على نحو بشع المظالم الفلسطينية الحقيقية، وبالتمدد الإيراني الذي يستلهم التمدّد الإسرائيلي.