قنابل العيد

قنابل العيد

12 ابريل 2017
+ الخط -
لا يعرف المصري إلا كعك العيد، فيتفنّن في عجنه ونقشه ونحته وطهيه، ويسارع في تقديمه للأهل والجيران والأحبّة، غير مبال ولا مهتم باختلاف ديني أو مذهبي، سياسي أو إيديولوجي أو حتى رياضي، الكل مصري، فالمسلم قبطي بطبيعة الحال، والمسيحي مسلم الثقافة والهوى، لا يوجد لدينا في مصر مناطق طائفية أو نعرات مذهبية أو تباينات عرقية أو إثنية، فالكل في واحد، والفرد الواحد يذوب في الكل.
يقول المسلم: "كنيستنا" قاصداً الكنيسة القريبة من محل سكنه، ويردّدها المسيحي: "جامعنا" من غير مداهنة أو تزلّف، إنما شعور المحبة والأخوة والود والصفاء الذي لا يتكدّر من محاولات الوقيعة ولا يتعكّر من غبار وأتربة أنفاس الحانقين الحاقدين، كارهي أنفسهم قبل غيرهم.
إذا كان المصري لا يعرف إلا أهازيج العيد وبالوناته وكعكه وضحكاته وأفراحه، فمن هي اليد الآثمة؟ وكيف سوّلت لها نفسها أن تستبدل كلّ هذا بالأحزان والنواح وصيحات المرارة وألوان الأحزان؟
هل تستطيع كلّ شياطين الأرض أن تنال من سبيكة المصري، ومعدنه الأصيل الذي صهرته العصور وقوّته الدهور، فمرّت عليه المحن والنوائب، لتزيده تماسكاً وصلابة ولمعاناً يتحدّى كلّ عوامل التعرية الإنسانية وغوائل هدم الحضارة المدنية؟
ستبقى مصر كما هي، بشعبها المتسامح وقيمها العليا التي تستمدها من نور الحب وضياء الإيثار وتلال الرحمة وجبال المحبة وأسرار القوة التي تتبدى في لحظات الإنكسار والحزن.
من فخّخ دور العبادة وهو يستخدم القنابل والقتل والتخريب بديلاً عن الورود والإحياء والتعمير ليس مصرياً، فالمصري لا يفعلها، إنّما هي كائنات غريبة عنّا، نبتت في تربة شيطانية، زرعها ورواها وسمّدها إبليس اللعين، كما أغوى من قبل قابيل ليقتل أخاه هابيل رغم اتساع الأرض بخيراتها وزروعها وثمارها وأنهارها وألوان كنوزها المتباينة .
من يعيش على القتل ويلعق الدماء محتسياً آهات الإنسان ومراراته، متشبّهاً بالحيوان الذي يسعده مشهد الضحية المخضبة بالدماء، فلا يهتم إلا بالتربّص بالفرائس، واضعاً الخطط لترصدّها والانقضاض عليها متى سنحت له الفرصة المواتية، هذا ليس مصريا، فالمصري لا يعرف قنابل العيد، وإنما أفراحه وكعكه وتهانيه.
أما أحاديث السياسة وتقصير الأمن ووجهات نظر المثقفين وأطروحات النخب التي تشبه عبارات وأفكار الحانوتي المصري الذي لا نشاهده إلا في الجنائز والملمات، فلن ننتقدها، ولن نوّجه جام غضبنا تجاه ما جرى، فعندما تتم تغييرات أمنية فهو اعتراف بالتراخي وعدم اتخاذ ما يجب اتخاذه من إجراءات الحيطة والتبصّر والحذر خاصة في مناسبات معروفة سلفاً!
لن نزيد الطن بلّة بما لم نره وكان لزاماً أن نراه، ولن نزايد على أحد، لأنّ في لحظات معينة تصاب النفس بما يخرسها ويعجز الكلام عن الكلام.
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
طارق البرديسي (مصر)
طارق البرديسي (مصر)