دراما في رمضان

دراما في رمضان

03 يونيو 2017
+ الخط -
الهمبكة مفردة لا وجود لها في معاجم لغتنا، لكن معناها مفهوم لدى غالبيتنا، وهو العمل العبثي الذي يجهل الأصول والمقدمات التي تؤدي إلى النتائج المرجوة، ويكتفي بالخداع والمراوغة وادّعاء العمل وإظهار المعرفة من دون الإلمام بأبجديات الموضوع، ما ينتج آثاراً ضارة تشوّه الإدراك وتجرف الوعي وتزّيف الحقائق.
في شهر رمضان من كل عام، تحفل المائدة بصنوف الطعام وألوانه، وكذلك شلالات من الدراما تقتحم عليك بيتك عنوة، غير عابئة بالقدرة البشرية على التلقي والاستيعاب، فإذا داهمتك أوجاع عسر الهضم والتلبك المعوي، فإنك لا تدري، أيكون الطعام مصدرها أم دراما رمضان؟
لا يستطيع كائنٌ من كان أن يقيّم الدراما الرمضانية بشكل علمي، لا في أول الشهر ولا في آخره، لأن الأمر مرهقٌ، ولا يقوى عليه الناقد، إلا إذا لجأ إلى الهمبكة أسلوباً ومنهجا، فينتقي مشهداً من هنا ومشهدين من هناك، لأن الوقت لا يسمح بمتابعة الحلقة كاملة، وهو أسلوبٌ يمكنك أن تقيم به عشرات المسلسلات في أقل من أسبوع.
ليست الهمبكة حكراً على أحد، لأنها مكفولة للجميع وحق يمارسه الكل، فترى نجماً يتكرّر كل عام، ومعه فريقه الخاص من الأحباء والمقربين، فلا تستطيع تمييز أعماله السنوية، لأنها صارت تشبه بعضها بعضاً، بحيث يصعب على النجم نفسه أن يتعرف عليها، لأنها أصبحت يابانيةً رمضانية لها ملامح الوجه نفسه وضيق العينين وضآلة الجبهة وإنحناءة الرأس.
يعتمد الإبداع على تجديد العناصر وتغييرها، وإبدالها سواء في الأفكار والموضوعات أو الرؤية الإخراجية أو في كل مفردات المنتوج الدرامي وركائزه، حتى تنتج الجدة ومتعة عدم التوّقع، وإلا كان العمل متوقعاً مملاً في موضوعه، سخيفاً في صيغته مكرّراً في أدائه. وهنا، تضيع المتعة الفنية التي يتعاطاها الفنان قبل المتلقي، أمّا استمرار الطاقم نفسه تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً فلا ينتج إلا سلعاً مكرّرة، تنتجها ماكينات المصانع الرمضانية، تملها النفس ويسأمها المشاهد، لفتورها وتشابهها الذي يفرضه الواقع الفني والسياق الإنتاجي والطابع الإنساني .
ولا يدّعي مدع عكس ما قدمت، مستشهداً بأسامة أنور عكاشة، لأنّه استثناء لا يقاس عليه، وعبقرية فذة في نسج الشخصيات ونفس تأليفي لا يبارى، وعلى الرغم من ذلك كله، كان يتنقل بين المبدعين، ولم يكن أبداً مؤلفاً ملاكياً خاصاً.
الإصرار على تقديم عمل موسمي كل عام بالعناصر الفنية نفسها، واحترام الصحبة والعشرة والعيش والملح، لن ينتج إلا أعمالاً متشابهة وتوائم مشوّهة متلاصقة، لن تعيش طويلاً، لأنها في ذاتها تحمل أمراضاً وراثية، نتيجة صلة القربى وتطابق الجينات الإبداعية.
عندما يتحول الفن إلى عمل موسمي، ويصبح الإبداع رمضانياً، وتتحكم الشللية، ويسعى الفنان حثيثاً للسبوبة الرمضانية هدفاً للإرتزاق وغاية للتكسب، فلا بد للهمبكة أن تكون منهجاً وأسلوباً.
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
طارق البرديسي (مصر)
طارق البرديسي (مصر)