اتّجار سياسي بالمرأة السورية

اتّجار سياسي بالمرأة السورية

07 مارس 2017

(يوسف عبدلكي)

+ الخط -
بينما يحتفل العالم بيوم خاص للمرأة، تكريماً لتضحياتها ونضالها الطويل، وتكريساً لحقوقها التي بدأت تنالها في دولٍ كثيرة، يتابع العالم العربي قولبتها وتهميشها بطرقٍ تزداد ابتذالاً وسوقية، واستعراضاً في الوقت نفسه. ففي مجتمعاتنا المفصومة عن ذاتها، وعمّا حولها، تزداد يوماً بعد يوم تلك الهوة بين ما يُصدّر إعلامياً حول التعامل مع المرأة وحقيقة ما يُعاش ويُطبّق في الشرائح الاجتماعية المختلفة.
بدأت تلك الهوّة بالظهور بشكل علني مع انتشار وسائل الإعلام المسموعة والمرئية خلال العقود الماضية، وهو ما تبعه خلال سنوات ظهور (وانتشار) الإعلانات التلفزيونية والملصقات واللوحات الإعلانية الورقية في الطرقات والأماكن العامة. ولعل تلك الوسائل كانت الشكل الأكثر علانية للاتجار بالنساء.
لا ينحصر مفهوم الاتجار بالمرأة في عمليات بيع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) السبايا بشكل فاضح العلنية، كما لا ينحصر باستغلالهن واستخدامهن في تجارة الدعارة، أو ما يشابهها، أو بادعاء الحفاظ عليهن، بتزويجهن قاصراتٍ أو بالغاتٍ، من دون إرادتهن، لكن هذا المفهوم يتّسع ليشمل استخدام جسد المرأة في الإعلانات التجارية التافهة، بغرض التأثير في الجمهور المستهدف من الإعلان، وذلك بعد دراسة ما يحرّك هذا الجمهور من أمراض جنسية واجتماعية متراكمة ومستعصية. ويتم ذلك كله ببساطة تحت مبرّرات حداثة الإعلام والإعلان والقوانين "الحديثة" الناظمة لهما.
يمتد مفهوم الاتجار هذا، ليشمل قطاعات مختلفة، فقد لعبت منظمات أو أحزاب أو حكومات عديدة في مجتمعاتنا على الوتر نفسه فترات طويلة، كما فعل الحزب الشيوعي، في مراحل انتشاره الأولى في الثمانينيات، حيث استخدم وجود النساء وشعارات المساواة غير القابلة للتطبيق ضمن مجتمعاتنا، ليشجّع الشباب المكبوت على الالتحاق بصفوفه، وهو ما نجح فعلاً في توسيع شريحة قواعد الحزب التي ضمّت مئاتٍ ممن كان مجرد وجود النساء دافعهم الوحيد.
وفي الإطار نفسه، رفع حزب البعث في سورية شعاراتٍ تتعلق بالحقوق المحفوظة لكل أفراد المجتمع، من دون تمييز على أساس الجنس أو القومية أو الدين، ضمن بروباغندا مدروسة، بغرض تقديمه وتسويقه حزبا علمانيا، يسعى إلى المساواة بأشكالها كافة. لكن تلك الشعارات والمفاهيم النظرية التي صدّرها كانت مفرغة تماماً من مضامينها الحقيقية، وهو ما ظهر خلال سنوات حكمه، حيث أنه لم يطبّق أيّا منها في أي مفصلٍ من مفاصل السلطة والدولة والحياة الاجتماعية، بل كان ما طُبّق هو العكس تماماً.
قدّم نظام الأسد نفسه إعلامياً، على المستويين الداخلي والخارجي، أنه مهتمّ بقضية حقوق المرأة، وخصوصا السياسية منها، من خلال إقرار حق التصويت والترشّح لمناصب مختلفة داخل مؤسسات الدولة، والتمثيل في الهيئات السياسية والحكومية، كمجلس النوّاب ومجالس الإدارة المحلية، لكن ذلك كله لم يتعدَّ الشكل الصوري الأجوف، والأدوار المسرحية الهزيلة التي كان يلعبها كل أعضاء هذه الهيئات، وخصوصا النساء منهم، على مر عقود. ومجرد بحث بسيط تحت تلك القشور الإعلانية المزركشة، يكشف ببساطة مدى التهميش والإذلال والوأد السياسي والاجتماعي الذي تعرّضت، وما تزال تتعرّض له المرأة السورية طوال حكم آل الأسد.
ومع انطلاقة الثورة في 2011، أخذت المرأة السورية تستعيد دورها الفعال والرئيسي في المشاركة في كل فعاليات الثورة السلمية في أشهرها الأولى، ثم بدأت بتحمّل ضغوط ومسؤوليات مضاعفة بعد تحوّل الثورة إلى شكلها المسلح. وقد أثبتت المرأة السورية، خلال هذه التجربة القاسية التي امتدت ست سنوات، أهليتها الكاملة لتحمّل أسوأ الظروف، والانطلاق والتحدّي في كل المجالات، كما أثبتت للعالم، أينما حلّت، نازحة أو لاجئة، بأنها قادرةٌ على الإنتاج والإبداع، وحمل أعباء الحرية بعد زمن طويل من الاضطهاد.
لكن مؤسسات المعارضة السورية عادت لتقع في المطب نفسه، حيث بدأت، بصيغةٍ أو بأخرى، بالاتجار بالمرأة من جديد، وهو ما تمثلّه شعارات وبروباغندا التمثيل النسائي داخلها، أو مشاريع "التوسعة النسائية" لهذه الهيئات. وهو ما تصدّره للغرب أو للدول الداعمة، بينما يحمل، في طياته، التفريغ نفسه من المضامين، والاتجار نفسه بمفهوم حقوق المرأة وبالمرأة نفسها.
لا نزال، نحن العرب أو السوريين، بعيدين جداً عن أن نحتفي بنسائنا يوماً، ولا يزال الطريق أمامنا، نحن النساء العربيات والسوريات، طويلاً ومضنياً قبل أن نحتفل، كما العالم، بالثامن من آذار.

avata
غالية شاهين

صحافية سورية من أسرة "العربي الجديد"