قمّة البحر الميت تتهيأ لجمع الأشتات

قمّة البحر الميت تتهيأ لجمع الأشتات

11 مارس 2017
+ الخط -
تسود الأوساط الرسمية والإعلامية الأردنية موجةٌ من التفاؤل بنجاح الدورة الجديدة للقمة العربية التي يستضيفها الأردن على شاطئ البحر الميت ( 50 كلم عن العاصمة عمّان) في 28 مارس/ آذار الجاري. ويستند هذه التفاؤل، كما يرشح من تصريحات لمسؤولين أردنيين، إلى قراءة مفادها بأن الفترة الفاصلة عن القمة السابقة في نواكشوط شهدت قدراً من الفكفكة والانفراجات النسبية للأزمات المستعصية التي تشهدها المنطقة العربية، وأن ثمّة شعوراً عاماً في الفضاء العربي الرسمي بأنه آن الأوان للخروج من الاحتقانات الشديدة، واستعادة الحد الأدنى مما كان يسمى "العمل العربي المشترك" تفادياً للأسوأ.
تتمثل المؤشرات الإيجابية أولاً في النجاح الملحوظ الذي بدأت تحققه الحملة على تنظيم داعش الإرهابي في العراق وفي سورية، وفي ليبيا أيضاً (طرده من معقله في سرت)، وقد بات التنظيم على وشك فقدان معقله الرئيسي في الموصل شمال العراق، من دون أن تتوفر له فرصةٌ سانحةٌ لإعادة الانتشار، وبالذات نحو سورية. ومن حسن الطالع والتدبير أن تيارات سياسية عربية وغير عربية (أميركية وتركية وروسية وكردية وإيرانية) قد التقت موضوعياً، على الرغم من التناقضات ما بينها على مكافحة هذا التنظيم والعمل على استئصال شأفته. وليس سراً أن جهداً استخبارياً ولوجستياً مكثفاً بين أطرافٍ عديدة أسهم في حسن التحضيرات ونجاعة الأداء في مقارعة هذا التنظيم. هذا من دون أن يزول خطره نهائياً، وكذلك خطر تنظيماتٍ بايعته، مثل جند الأقصى ولواء اليرموك في سورية أو "بيت المقدس" في سيناء. ومن المنتظر أن تشهد الفترة المتبقية على انعقاد القمة مزيدا من فصول دحر هذا التنظيم،
وبالذات في الموصل. وبالنسبة للبلد المضيف الأردن، فإنه يعتبر معركته مع "داعش" مصيرية، وتمثل حماية حدوده الشمالية (مع سورية) أولوية مطلقة، كما سبق لوزير الخارجية أيمن الصفدي أن صرح. هذا من دون التقليل من أهمية حماية بقية الحدود، بما فيها الحدود مع العراق، حيث نجح التنظيم، غير مرة، في التمركز قريبا من نقاط الحدود. علماً أن التحالف الدولي العربي لمكافحة "داعش" بالحملات الجوية ما زال قائما، فيما تمثل هزيمة "داعش" أولوية لدى الإدارة الأميركية الجديدة، ما يعني أنها ستلقي مزيدا من الثقل في مكافحة هذا التنظيم الذي فقد عدداً كبيراً من قياداته وعناصره، وبات التخبط يسم تحرّكاته.
ويتمثل المؤشر الثاني في استئناف المفاوضات السورية في جنيف، حيث من المقرّر أن تشهد المدينة السويسرية اجتماعا جديدا يوم 23 مارس/ آذار الجاري، كما صرح المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، أخيرا، وقبيل انعقاد القمة، علاوة على عقد اجتماعات أستانة، برعاية روسية تركية إيرانية، وقد حضر الأردن اجتماعات المدينة الكازاخستانية مراقبا. وعلى الرغم من أن هذه المفاوضات لم تحرز اختراقاً ذا بال، إلا أنها هيأت مناخاً للحلول السياسية وتعزيزا للهدنات، ودلّلت على حجم الاستنزاف الهائل الذي تعرّضت له الأطراف، وحاجتها الموضوعية إلى إبرام تسوية، وهو الأمر الذي ينعقد عليه إجماع دولي. ويتبنى الأردن، في الأثناء، الحل السياسي القائم على مرجعية جنيف وقرار مجلس الأمن 2254، كما يلتزم بالقرارات العربية، وآخرها اجتماع المجلس الوزاري العربي في جامعة الدول العربية 7 مارس/ آذار الجاري، بخصوص تعليق مشاركة الحكومة السورية في أعمال الجامعة وهيئاتها ومؤسساتها، ومن ضمنها القمة العربية، حيث سيبقى مقعد سورية فارغاً، بعد أن فشلت المعارضة السورية في ملء المقعد السوري ضمن الجامعة. وقد راجت أنباء، في الأسابيع الماضية، عن زيارات مسؤولين أمنيين سوريين عمّان، ولم يتم نفي هذه الأنباء، ما يشير إلى صحتها، إلا أن هذه الزيارات لم تنجح في اكتساب طابع سياسي. والتوقعات أن تنجح القمة في التأكيد على الحل السياسي للأزمة السورية، ودعم مسار جنيف التفاوضي، والعبرة هي في ما تستطيع القمة إضافته في هذا الخصوص (باعتبار أن تأييد الحل السياسي مفروغٌ منه ولا جديد فيه)، كالتشديد على وقف إطلاق النار، وإيجاد آلية لمراقبة انتهاكاته، وإدانة منتهكيه أياً كانوا، وتسهيل عودة اللاجئين، بالاستفادة من نموذج تمكين تركيا نحو 1500 لاجئ سوري من العودة إلى وطنهم، بعد تحرير مدينتي جرابلس والباب.
المؤشر الثالث الذي يُنظر إليه بقدر من الإيجابية، مقارنةً بما كان عليه الحال قبل عام، هو تجدّد الاتصالات السعودية العراقية التي توجت بزيارة رئيس الدبلوماسية السعودية، عادل الجبير بغداد، وما يبدو من تهدئةٍ في الخلافات المصرية السعودية، وتتطلع عمّان بثقة إلى أن تنجح القمة في مزيدٍ من التقريب بين الجانبين.
إلى جانب ذلك، هناك مؤشرات سلبية، مثل استمرار الحرب في اليمن، وتوقف التفاوض
المباشر بين الشرعية اليمنية والانقلابيين، ومراوحة الوضع الليبي في محله مع تقدم إجمالي طفيف، وهناك مخاطر نقل السفارة الأميركية إلى القدس (الرئيس دونالد ترامب استقبل في الثاني من فبراير/ شباط الماضي الملك عبدالله الثاني في واشنطن، في حُمّى الحديث عن نقل السفارة)، واندفاع الاحتلال الإسرائيلي نحو العمل بأجندته الخاصة، الاستيطانية والعسكرية، بما يغلق الطرق نحو التفاوض، ويهدّد مستقبل الأرض وهويتها الوطنية والعربية، بما في ذلك التهويد القسري للقدس والأماكن المقدسة. وستكون مشاركة الرئيس عبد ربه منصور هادي منصور في القمة، وكذلك المشاركة الليبية، أمراً يستحق متابعته لسماع الجديد في تطورات الأزمة في البلدين. وينتظر من القمة أن تحمل رسالة واضحة وحازمة رافضة نقل أي سفارة إلى القدس، مع التشديد على أن تجاهل حل الدولتين يؤجج الصراع، ويزيده تعقيدا، ويتصادم مع الشرعية الدولية. وسيكون مكان انعقاد القمة على البحر الميت قرب الحدود، وعلى مسافة نحو عشرة كيلومترات من الأرض الفلسطينية المحتلة، فرصة وجدانية للقادة والوفود للاقتراب مكانياً، ولأول مرة من أرض فلسطين التي تنوء باحتلال عنصري غاشم، يقترب من ذكراه الخمسين، علاوةً على فقدان فلسطين التاريخية في 1948.
جدير بالذكر أن عمّان نشطت، في الأسابيع الماضية، في التحضير للقمة، واستقبلت حتى تاريخه مسؤولين مصريين (وزير الخارجية) ولبنانيين (رئيس الجمهورية) وقطريين (وزير الخارجية)، وزار قبل أيام رئيس الحكومة، هاني الملقي، أنقرة، واستقبله الرئيس رجب طيب أردوغان، كما طار رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة في زيارة شبه رسمية إلى طهران، استقبله خلالها الرئيس حسن روحاني. وليست هذه التحركات نحو العاصمتين الإقليميتين بعيدة عن أجواء التحضير للقمة.
ومع أن الرأي العام العربي يبقى يعلق أقل الآمال على القمم العربية، في ضوء خبرة عقود من معاينة السياسات الرسمية وتحمل نتائجها، وانعقاد عشراتٍ من القمم، إلا أن عقد قمة جديدة تجمع أطراف النظام العربي المشتت، وإعادة إحياء الكتلة العربية الرسمية، يحمل بصيصاً من أملٍ في إعادة تظهير الكيان العربي دولا قائمة ذات هوية قومية واحدة، لا طوائف ومذاهب وقبائل، بما يُعيد بعض الاحترام للصورة العربية، وبانتظار أن يتم شحن هذا الإحياء بمعانٍ إيجابية ملموسة، توقف الانهيارات الاجتماعية والمؤسسية، وتضع حداً للاستباحات من الخارج.