انتظار ما لا يأتي

انتظار ما لا يأتي

16 فبراير 2017
+ الخط -
نعوذ بالله من طول الانتظار والتمنّي والأمل وعدم الوصول إلى الهدف والمبتغى والمنى.
صعب على المرء قسوة التمني والتريّث وعدم تحقّق الأمنيات والطموحات، لكن الإنسان من لحظة الميلاد وحتى انتقاله إلى الدار الآخرة لا يمارس إلا التريث والانتظار، ممنياً نفسه ومتمنياً وطامحاً وطامعاً وكامناً وحالماً، حتى يأتي الأجل وينفض سرادق الحياة.
الانتظار يطول، والإرجاء يمتد، والتسويف يشتد، في البيئات المتخلّفة عندما تكون الظروف قاسية والأحوال غير مواتية، فإذا كان الانتظار عاماً في كلّ الأزمنة والأمكنة، فإنّ ضراوته أشدّ، ووحشيته أقسى في منطقتنا الآهلة بكلّ فيروسات التخلّف، وبكتيريا الجهل وميكروبات الفقر وطحالب الفساد وجفاف الرجعية وملوحة الديكتاتورية.
يستيقظ المرء مريداً قضاء حاجته فيجد أنّ دورة المياه ليست متاحة، فينتظر. يطلب خبزاً فلا يجد إلا طوابير المنتظرين، يشعر بإجهاد، فيريد الإستعانة بالمصعد فينتظر دوره في الصف، يريد الذهاب إلى عمله فينتظر الحافلة، يقترض ليستعين بعربة خاصة، فيجد نفسه منتظراً سداد الأقساط بعد أن يأخذ دوره في ملء خزانة الوقود، وينتظر دوره لدى فني الصيانة والإصلاح، لينفتح أمامه عالم جديد من الطوابير المستجدة التي لم يكن يعرفها حيث الساعات المهدرة وصنوف مستحدثة من الانتظار.
ينتظر دوره في وحدات التراخيص، حيث الطوابير المعقدة الحلزونية التي قد تلجئه لطبيب متخصّص ينتظره المصابون والموجعون في طابور طويل، يسأم المرء ويشعر بالفتور والضجر، فيلتمس الترويح والتنزّه والمتعة، فتراه يطلب السفر أو التريّض أو الذهاب لدور السينما أو مشاهدة المباريات حيث الألعاب واللهو، فلا يجد إلا طوابير التذاكر وصفوف الإنتظار وإجراءات الترّيث والإرجاء ومناخ الازدحام وتنافس المتكالبين وفلسفة المنتظرين.
قد يقول قائل، وما الدنيا إلا ساحة انتظار طويل، فنحن ننتظر ميلاد الطفل وننتظر أن يحبو وأن يأكل وأن يتكلم، وننتظر أن يدلف إلى المدرسة وأن ينتقل من صف إلى صف، وننتظر دخوله إلى عالم المراهقة ثم الرجولة أو الأنوثة.
ننتظر التخرّج واغتنام فرصة عمل والزواج، وقد ننتظر إنهاء إجراءات الطلاق وإنهاء إجراءات الخلافات والنزاع. وكلّ محطات الحياة وأوجه نشاط المرء، ينبض بدقات الانتظار وطول الأمل والرجاء في غد نتمناه.
أيها القارئ المنتظر، لعلك مسكون الآن بهاجس سؤال يعتمل في أعماقك وهو: ماذا تبغي وما ترمي إليه؟ والإجابة: انتظارك غال وصبرك جميل بيد أنّي شخصيا أنتظر قراءتك وفهمك، متوّسماً فيك درجات استيعاب مختلفة وطرائق تلّقي متباينة، تسعد النفس وتثلج الصدر وتجعلنا نكتب دائماً ونحن منتظرين.
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
طارق البرديسي (مصر)
طارق البرديسي (مصر)