صالح يدفع فاتورة متأخرة

صالح يدفع فاتورة متأخرة

06 ديسمبر 2017
+ الخط -
منذ مدة طويلة، ما عاد اليمن سعيداً، ولا أهله يستطيعون أن يحلوا حتى بالعيش سعداء في بلادٍ ممزقة قبلياً وطائفياً وسياسياً. وفوق هذا، تحولت قبل ثلاث سنوات إلى مسرح حروب بالوكالة بين الرياض وطهران.
قُتل أول من أمس علي عبد الله صالح في صنعاء، بعد ثلاثة أيام من انقلابه على الحوثيين، والعودة إلى التحالف مع السعودية التي شنت حرباً على اليمن، بدعوى محاربة الحوثيين المتحالفين مع إيران. حاربت الرياض ثورة الشباب في ربيع اليمن، مخافةً من تحول ديمقراطي في بلد جار، وأجبرت صالح على التنحّي، ثم أفشلت مخرجات الحوار الوطني، ونصبت حكومة ضعيفة في المنفى، فانقلب صالح على الرياض، وتحالف مع خصوم الأمس، وإذا بالحوثيين يرتمون أكثر في حضن إيران، ويهدّدون أمن المدن الداخلية في السعودية بصواريخ بالستية!
سئل الرئيس اليمني الذي أصبح يلقب بالمخلوع وبالمحروق، والآن بالمقتول، عن تعريفه لحكم اليمن، فقال إنه "يشبه المشي طوال اليوم فوق رؤوس الثعابين". انقضّ اليوم واحدٌ من هذه الثعابين على رأس علي عبد الله صالح، فأنهى رحلته الطويلة في حكم اليمن، والتي تمتد إلى حوالى أربعة عقود، فعل فيها كل ما خطر له في البال للبقاء في السلطة، استعمل الدين والسلاح والمال والقبيلة والحزب والتحالفات الخارجية والمؤامرات والغدر والشعبوية والحرب... كل هذا ليبقى هو وعائلته وقبيلته يحكمون في بلاد قطع السلاح فيها أكثر من السكان.
قبل أربع سنوات، نزل جمال بن عمر في أرض اليمن قادماً من مكتبه في الأمم المتحدة، مبعوثاً شخصياً للأمين العام بان كي مون، مكلفاً بمهمة تليين مفاصل اليمن، حتى يقف على رجليه ويسري الدم في عروقه، فدعا إلى موتمر وطني شارك فيه الجميع، وخرج بخريطة طريق نحو المستقبل، قوامها الاحتكام إلى السياسة، لا إلى السلاح، إلى التوافق لا إلى الغلبة، إلى مؤسسات الحكم الحديثة، لا إلى القبيلة أو الطائفة أو القوى الخارجية... والبداية بإلقاء السلاح والذهاب إلى مسودة دستور جديد، فانتخابات، فبرلمان، فحكومة، فتقطيع جديد للجهات ينصف المغبون، ويعطي صعدة المنكوبة منفذاً على البحر وفرصةً للعيش، لكن الحوار لم ينجح، ومخرجات المؤتمر الوطني اليمني طارت مع الريح، لأن السعودية والإمارات وصالح لم تعجبهم الوصفة، وكيف للأمم المتحدة أن ترسي نظامَ حكم حديثاً في شرق أوسط قديم، فتزرع "فيروساً معدياً"، اسمه الحكم الديمقراطي على حدود آبار النفط وسلالات تحكم منذ قرن بدون مؤسسات.. فشلت العملية السياسية، فانتقلت المبادرة إلى السلاح، انقلب صالح على السعودية، واتجه إلى التحالف مع الحوثي، وفتح المجال لإيران للدخول على خط الفتنة اليمنية، ثم جاءت الحرب التي تأكل اليوم الأخضر واليابس في اليمن.
حسب الأمم المتحدة، فإن حوالى ثلاثة أرباع ساكنة اليمن، البالغ تعدادها 28 مليون نسمة، تحتاج عاجلاً لمساعدات إنسانية، فقد تسببت الأزبال المتراكمة، ونظام الصرف الصحي المعطل، والمياه الملوثة، في أسوأ تفشٍّ لوباء الكوليرا في التاريخ الحديث. كما أن البلاد توجد على حافة الفقر، وانهار الاقتصاد، تاركاً الناس أمام خياراتٍ مستحيلة.
الحوثيون أضعف من أن يحكموا اليمن وحدهم، وأقوى من أن ينهزموا أمام تحالف ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. ولهذا، لن يساعد صالح، حياً وميتاً، بلاده على الخروج من الحرب ودخول زمن السلم.
منذ انطلق الربيع العربي، قُتل رئيسان عربيان، معمر القذافي وعلي عبدالله صالح، وسقط حاكمان عربيان، وحوكما أمام القضاء، حسني مبارك وزين العابدين بن علي، وقادا حاكمان عربيان بلديهما إلى الحرب الأهلية، بشار الأسد ونوري المالكي، فيما الحكام العرب الآخرون يديرون الأزمات في بلادهم ولا يحلونها، يربحون الوقت، ولا يكسبون نقاطاً في سبورة التنمية والتقدم والديمقراطية والحكم الجيد.
كانت شعوب المنطقة، ولعقود، تخاف من حكامها. اليوم صار الحكام يخافون من شعوبهم. عندما اغتيل أنور السادات في مصر، كتبت صحيفة الغارديان البريطانية: إنها حقاً جريمة فظيعة، ولكن على القارئ الإنكليزي أن يتذكّر أن السادات، لم يترك لمواطنيه طريقة أخرى لتغييره.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.