نظرية الدولة الرابحة

نظرية الدولة الرابحة

07 نوفمبر 2017
+ الخط -
قد تبدو فكرةً جذابةً أن تُدَارَ الدولة كما يُدار المشروع التجاري، لكنها لا تخطر عادةً على بال السياسيين الذي ينهمكون في همّ إعادة انتخابهم، ويدخلون في دوامة العلاقات الداخلية مع أحزاب المعارضة، ومشاكسات البرلمان، وإرضاء وسائل الإعلام، والعلاقات الخارجية مع الدول.
في حالاتٍ قليلةٍ، يتسّرب رجال أعمال إلى الحقل السياسي، بعد أن يختبروا نجاحاتٍ متكرّرة، حين كانوا مديرين تنفيذيين لشركات كبرى، وحققوا في الميدان التجاري فتوحاتٍ عظيمة، ولأن السياسة ميدان آخر ذو مستوى أعلى، يأتيها رجل الأعمال الذي يريد أن يتابع فتوحاته المالية، مدجّجاً بما يعرف، وبما طبقه من خطط مالية، هدفُها النهائي الربح. ويبدأ ذلك منذ إعلان برنامجه الانتخابي، فهو لم يعتد أن يختبئ وراء التصريحات السياسية، بل يقدم نفسه، منذ البداية، رجل أعمال، وينجح وهو بهذه الصفة.. معيار الفوز بالنسبة لرجل الأعمال هو تحويل الهم السياسي إلى تحقيق ميزان تجاري رابح. ومن البديهي أن المؤسسة، إذا لم تكن رابحةً، فهي غير قابلة للحياة. ومن هذا المنطلق، يمكن تغيير النظرة إلى الدولة، والتطلع إلى جعلها شركة ضخمة، كل إمكاناتها موجهة لتحويلها إلى كيان رابح مادياً، ومن ثم إعادة تشكيل بيروقراطية الدولة، لتصبح أدوات تنفيذٍ ذات طابع تجاري واضح. وهذا يعني أن عليها أن تمارس السياسة بمنطق التاجر. وهنا فقط تصبح بحاجة إلى مدير تنفيذي ذي حضور مميز. مثلُ هذه الثورة لن يقوم بها سياسي، فهي بحاجةٍ لشخصٍ قادر على تغيير فكرة الدولة، وتحويل منحاها، أو ربما عدة أشخاص في أماكن متفرقة، تقود دولاً ناجحة، تمت إدارتها بمنطق تجاري بحت.
على هذا، يبدو الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أنموذجاً بارزاً، فهو رجل أعمال ناجح تحول إلى رئيس، وهو بالفعل يعمل بكد رئيس المؤسسة التجارية، وكان قد وعد ناخبيه بتخفيض الضرائب، وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية، والأهم من ذلك التخلص من شرط البيروقراطية. وهذه سلوكيات يتبعها مَنْ يرغب بتهيئة الجو المناسب لإقامة أعمال ناجحة، ومن قبله حكَمَ سيلفيو بيرلسكوني إيطاليا عقداً، وهو رجل أعمال أيضاً كان قد وعد ناخبيه بالوعود ذاتها. وفي لبنان، جاء إلى رئاسة الوزراء رجل من خلفية تجارية راسخة، وهو رفيق الحريري. وعلى الرغم من التشابك الإقليمي الذي يعتبر أحد شروط الحكم اللبناني، إلا أن الرجل لم يستطع التخلص من خلفيته التي جاءت به في الأساس إلى هذا المنصب. وفي أحدث نسخة تجارية، حل في منصب سياسي رفيع آندريه بايس، الرئيس التشيكي الذي فاز في الانتخابات التشريعية، واللقب الذي حازه هو "ترامب تشيكيا"، وهو يرغب أن يدير تشيكيا كما يدير مجموعة شركاته التي توظف أكبر عدد في القطاع الخاص. ولعل نجاحات رجال الأعمال المفترضة في عالم السياسة حدا بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمحاربة كل منافسيه الذين يأتون من خلفية تجارية، وقد دارت حوله الشبهات في مقتل الملياردير بوريس بيروزوفسكي الذي وجد ميتاً في لندن سنة 2013، ومفيدٌ التذكير بالملياردير ميخائيل خودروفسكي الذي قضى عشر سنوات في السجن، قبل أن يتحول إلى طريد ومطلوب للشرطة الروسية.
ميزان الربح والخسارة هو معيار إعادة انتخاب رجل الأعمال/ الرئيس من عدمه، ومن محفزات الاعتماد على رجل الأعمال ما قاله سيناتور متقاعد، يدعى مايكي إيدواردز، وهو أن السياسي يعمل بكفاءة الكفاية. أما رجل الأعمال فيعمل بكفاءة الحد الأقصى. وفق هذه النظرية، سيعتمد الرئيس على الطاقم الإداري الذي يتبع للحكومة، ليستفيد من قدراته القصوى. وبذلك سيجد نفسه في مواجهة البيروقراطية التي وعد بمحاربتها لتحقيق أهدافه، وهو تحدٍ لم يجد بيرلسكوني في أيام حكمه حلاً له. أما الأمر الآخر، سترتبط إدارة البلاد بنموذج "القائد" أكثر مما ترتبط بقالب السياسي، وهو خطر آخر قد يحوّل مفهوم الدولة من جديد.