زيمبابوي... من تمساح إلى آخر

زيمبابوي... من تمساح إلى آخر

26 نوفمبر 2017
+ الخط -
بتأمل الانقلاب العسكري الذي جعل رئيس زيمبابوي، روبرت موغابي، يستقيل، وتولي نائبه إيمرسون منانغاغوا، العائد من المنفى، الرئاسة، يُلاحظ أنّ سمة جديدة ميّزت هذا الانقلاب عما سواه من انقلابات في أفريقيا اشتهرت بالعنف والدموية. ولعل هذا ما يمكن تفسيره بعدة عوامل، أهمها تحفّز البيئة الداخلية والتحرّك الشعبي للتغيير، وقد لاقى ذلك هوىً في الحرس القديم أنفسهم الذين خاضوا حرب شوارع في سبعينيات القرن الماضي ضد حكم الأقلية البيضاء. انتظر الحرس القديم الذي يسيطر على السلطات الأمنية تصاعد الطموحات السياسية للسيدة الأولى، غريس موغابي، حتى وصلت إلى ذروتها، ثم بدأوا استعادة سيطرتهم على مقاليد الحكم في زيمبابوي. وهناك عامل التأثير الخارجي والموقف العام من المؤسسة العسكرية باعتبارها أداة للتغيير. ووفقاً لذلك، فإنّه نما إلى إدراك قائد جيش زيمبابوي، الجنرال كونستانتينو شيوينغا، وإيمرسون منانغاغوا من منفاه، أنّ الانقلاب العسكري إذا تم بشكل أسرع وأعنف، من دون إرغام موغابي على التنحّي، فلن تعترف به الاتحاد الأفريقي أو الرأي العام الغربي، ويمكن أن يُتخذ ذريعة للتدخّل أو وسيلة ضغط من أجل أغراضٍ أخرى.
أنهى موغابي حكمه بالإشادة بالمكونات السياسية المهمة في البلاد، الجيش والحزب الحاكم وحركة قدامى المحاربين. ولم يكفّ عن إزجاء النصائح، كما يفعل منذ نصّب نفسه الزعيم الحكيم لأفريقيا، بالحض على وحدة البلاد، والاعتراف بمخاوف الجيش، في إشارة إلى الكيفية التي قاموا فيها بالعملية، ثم دعا إلى تعلّم الصفح، وحلّ التناقضات بروح الوفاق في زيمبابوي. وترجع هذه المواعظ بالذاكرة إلى أنّه كان يعيش على أجواء التألق والبطولة منذ أيام المقاومة، 
وبعد نيل بلاده الاستقلال، قبل أن يتصف بالديكتاتورية والدموية لاحقاً. سُلّطت على ممارسات موغابي أضواء غربية كثيرة، فتحول من محرّر للأرض إلى مستبد استلذ بالبقاء على الكرسي بأي ثمن. وباحتكاره السلطة وتقييد الحريات، صنع عداوات على مستوى الداخل ودول الجوار، وعلى مستوى القوى الدولية بزعامة بريطانيا التي دفعت الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات قاسية على بلاده، وتبعتها الولايات المتحدة في ذلك مع دعم معارضة حكومته.
غير النكات العنصرية التي كان يصدرها في كل المناسبات على مستوى القارة الأفريقية ضد البيض، ويتم الاحتفاء بها، باعتبارها مناهضةً، بأثر رجعي، لعهود الاستعمار الغربي على القارة والفصل العنصري في جنوب أفريقيا، دوماً ما كان روبرت موغابي، يغتنم الفرصة في أثناء اللقاءات الإقليمية لمهاجمة مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة وبريطانيا.
لا تخرج حالة زيمبابوي عن الهيمنة المتأصلة في تاريخ هذا البلد إبّان الحرب العالمية الثانية، حين تم توزيع الأراضي الزراعية في البلاد على قدامى المقاتلين البريطانيين، وحلّوا محل مئات آلاف من العائلات من المواطنين الذين تم تهجيرهم لهذا الغرض. وعندما فشلت الدولة الوطنية بعد الاستقلال، تحول حزب حرب التحرير إلى طبقةٍ متصالحة مع المستوطنين البيض في زيمبابوي ومع النظام العالمي، على حساب أهداف نضال أبناء زيمبابوي الذي كان من أجل الاستقلال واسترجاع أرضهم.
ومواصلةً لثوريته، قرّر موغابي دعم المجتمع الريفي الثائر من أجل استعادة أراضيه، وقاد 
مشروع الإصلاح الزراعي، بمعاونة المقاتلين القدامى في حرب الاستقلال، ومئات آلاف المزارعين الذين لا يملكون أرضاً، وتمّ طرد المستوطنين البيض من أربعة آلاف مزرعة، وإحلال أكثر من مئة ألف عائلة من السود مكانها، محاولاً بذلك أن يُرضي الشعب، للاستمرار في الحكم. هنا، بدأت المواجهة بين زيمبابوي والعالم، وانفجر الصراع على الساحة السياسية في الداخل، لأنّ الأراضي المنزوعة لم تذهب إلى عامة الشعب، وإنّما إلى مقربين من الرئيس. منذ ذلك الوقت، وبريطانيا تنتظر الفرصة المناسبة، لتنقضّ على هذه الدولة الأفريقية الغنية بالموارد الطبيعية، لتقود حملةً ضد موغابي، انتقاماً منه لنزعه الأراضي من البيض. ويلفت حماس بريطانيا لهذا التغيير الذي تنتظره منذ زمن، إلا أنّ قلقها على الديمقراطية في زيمبابوي لم يكن ليظهر بالأهمية نفسها لو أنّ موغابي حافظ على امتيازات البيض، وذلك في وقتٍ تغضُّ فيه الطرف عن مستبدّين كثيرين في أفريقيا، ومنهم من لم يكن مثل حال موغابي الذي تم انتخابه مراتٍ، بل من المستبدين من انقلب على الشرعية، وجاء إلى الحكم على ظهر دبابة.
وعلى الرغم من أنّ تنصيب منانغاغوا بثّ الأمل في نفوس شعب زيمبابوي، إلّا أنّ علامات استفهام حائرة بدأت بشأن ما قد يقدمه لبلاده، فسيرته السياسية التي خلفت نضاله وقتاله في حرب التحرير حفلت بالعنف ضد المعارضين في بلاده إبان توليه وزارة الأمن الوطني في ثمانينيات القرن الماضي، حيث وصلت حصيلة الضحايا إلى 20 ألف قتيل تقريباً. وإذا لم تتم عملية التغيير بتحول ديمقراطي سريع في زيمبابوي، فإنّ منانغاغوا الملقب بـ"التمساح"، بسبب مكره السياسي، وشعار حزبه "لاكوست"، يكون قد تحقّق له ما علّق به على لقبه قبل عامين: "لا يترك التمساح المياه ليذهب للبحث عن الطعام، بل ينتظر بصبر، لتأتي فريسته إليه، ويضرب في الوقت المناسب".
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.