حين تلغي إسرائيل الخط الأخضر

حين تلغي إسرائيل الخط الأخضر

20 سبتمبر 2016
+ الخط -
يتصاعد، في الآونة الأخيرة، النقاش الداخلي في المجتمع اليهودي حول مستقبل الأراضي الفلسطينية، وخصوصاً الضفة الغربية ومدينة القدس الشرقية، والتي تم احتلالها في حرب يونيو/ حزيران عام 1967، وخصوصاً بعد تزايد القناعة، لدى أوساط وشرائح كبيرة ومهمة في المجتمع اليهودي، بتلاشي فرص التوصل إلى أية حلول سياسية، وخصوصاً ما يسمى حل الدولتين، وذلك لأن الحديث العالمي والخطاب الفلسطيني حول حل الدولتين لم يستطع إحداث تغيير أو اختراق للعقل اليهودي الذي ما زال معظمه يرى في الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس، مناطق تم تحريرها من الاحتلال والسيطرة العربيين، فقد بات واضحاً، ومن استطلاعات ودراسات كثيرة أجريت، أخيراً، في المجتمع اليهودي، أن حوالي ثلثي اليهود يرون في الضفة الغربية ومدينة القدس جزءاً لا يتجزأ مما تسمى أرض إسرائيل الكبرى، وعدم التنازل عنها أو تقسيمها، وأن المنطقة ما بين نهر الأردن شرقاً والبحر الأبيض المتوسط غرباً ستبقى تحت سيادة إسرائيل إلى الأبد، وما يعزّز هذه القناعة التي تزداد يوماً بعد يوم رؤية شريحة واسعة من المجتمع اليهودي إلى أن الفلسطينيين لم يكونوا في أي يوم شعباً، بل إنهم، وحسب الرواية الصهيونية المخترعة، ما هم إلا مجموعة من القبائل العربية التي هاجرت إلى فلسطين واستوطنتها، وأن الفلسطينيين، وحسب تلك الرواية، لن يتردّدوا مستقبلاً بالقضاء على دولة إسرائيل وتدميرها، في حال امتلاكهم القوة.
لذلك، تسعى إسرائيل، وفق مخطط ممنهج ومدروس، إلى عدم قيام كيان فلسطيني مستقل لإبقاء الشعب الفلسطيني في حالةٍ من الضعف والتشرذم، وما المشروع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي تصاعد وتضاعف عدة مرات، منذ اتفاقية أوسلو إلا ترجمة لتلك السياسة الإسرائيلية الممنهجة، والتي ستمكّنها من السيطرة والتحكم بمعظم أراضي الضفة الغربية، وربطها جغرافياً وديمغرافياً مع إسرائيل، وتحويل التجمعات الفلسطينية إلى جزر صغيرة وكانتونات، متناثرة وغير قادرة، على الاستمرار في الحياة، مقدمة لدفع الشعب الفلسطيني على الهجرة في ظل الزيادة السكانية، وتناقص مساحة الأراضي الفلسطينية المخصصة للبناء والتوسع، حيث أصبحت قاعدة العمل الإسرائيلية واضحةً تماماً، حيث، في كل يوم هناك عدد إضافي جديد من المستوطنين اليهود. وفي المقابل، نقص في مساحة الأراضي الفلسطينية.

وفي خطوة أخرى ومتقدمة على صعيد تهويد ما تبقى من أراض فلسطينية، وضمها إلى إسرائيل، أقدمت وزارة التعليم الإسرائيلية، ووزيرها نفتالي بينيت الذي يترأس الحزب اليهودي الاستيطاني صاحب برنامج إسرائيل الكبرى، والذي يرفض التنازل عن أي شبر من أراضي الضفة الغربية، أقدمت على حذف الخط الأخضر وإزالته من بعض الخرائط التعليمية، وإضافة أسماء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية للخريطة الجديدة على أنها جزء من دولة إسرائيل، في الوقت الذي لا تظهر على الخرائط الإسرائيلية الجديدة إلا بعض التجمعات الفلسطينية، والتي تمت تسميتها بأسماء عبرية، وذلك من أجل إيجاد وعي مجتمعي يهودي يرى إسرائيل من النهر إلى البحر، وإنه لا مكان لأية دولة فلسطينية في هذه المنطقة.
وفي هذا السياق، أصدرت حكومة إسرائيل، بزعامة رئيسها بنيامين نتنياهو، قراراً استيطانياً جديد ببناء مستوطنة يهودية على أراضي قرية أم الحيران، والواقعة في شمال النقب الفلسطيني المحتل منذ عام 1948، مع العلم أن حكومات إسرائيل المتعاقبة ترفض ربط قرية أم الحيران بشبكة المياه والكهرباء والصرف الصحي والطرقات، وتصر على هدم القرية، بحجة أنها قرية غير معترف بها من الحكومة الإسرائيلية، بذريعة أنها مقامة على منطقة أثرية. على الرغم من أن القرية مقامة قبل نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948، أما أن يتم بناء مستوطنة يهودية على أنقاضها فهذا مسموحٌ به، لا بل إنه مفضل، حسب القوانين العنصرية الإسرائيلية. وحينها، تتوقف إسرائيل عن الادعاء أنها منطقة أثرية، لا بل إن الأخطر من بناء هذه المستوطنة على أنقاض قرية أم الحيران ربطها واتباعها ما يسمى المجلس اللوائي للمستوطنات اليهودية في جبل الخليل، والمحاذي للنقب الفلسطيني من الجهة الشمالية، ليتم اتباعها إدارياً وخدماتياً لمستوطنات الضفة الغربية. وبذلك، تكون إسرائيل قد بدأت بربط تجمعات إسرائيلية داخل إسرائيل مع مستوطنات يهودية في الضفة الغربية، والذي يعني إلغاء ما تبقى مما يسمى بالخط الأخضر وإنهائه، وهو الذي كان يفصل ما بين الضفة الغربية وإسرائيل. وفي السياق نفسه، يواصل قادة المستوطنات اليهودية، المقامة في ما يسمى تجمع غوش عصيون الاستيطاني بين محافظتي بيت لحم والخليل، برفض إكمال بناء مقطع الجدار الفاصل، وذلك بدوافع أيدولوجية لمنع تقسيم ما يسمى أرض إسرائيل.
وكان وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، يوأف غلانت من حزب كولانو اليميني، قد وعد قادة مستوطنات غوش عصيون، قبل أيام، بأن وزارته بصدد المصادقة على مشاريع استيطانية في غوش عصيون، ليصل عدد مستوطنيها اليهود في العام 2025 إلى أكثر من نصف مليون مستوطن يهودي. وبذلك يكون قد تضاعف عددهم في هذه المستوطنات فقط أكثر من سبعة أضعاف، حيث من المتوقع، بعد إنهاء هذا المشروع الاستيطاني الضخم، أن يتم عزل محافظتي الخليل عن بيت لحم نهائياً. ليصبح هذا التجمع الاستيطاني ممتداً من الجهة الغربية للضفة الغربية وحتى غور الأردن شرقاً.
بات واضحاً أنه، في السنوات العشر الأخيرة، وفي ظل الحالة الفلسطينية والعربية المنهارة، أن مستقبل القضية والأراضي الفلسطينية أصبح خاضعاً للنقاش الإسرائيلي الداخلي، خصوصاً ما بين اليمين الاستيطاني التوسعي واليمين الإقصائي الذي ينكر وجود الشعب الفلسطيني أصلاً، ويرفض مجمل الأفكار والمشاريع المنادية بضرورة التوصل إلى أية حلول مع الشعب الفلسطيني، خصوصاً أن إسرائيل تراهن على عدم قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة هذا المشروع التهويدي الإحلالي والإقصائي. لذلك، بات مؤكداً أنه، بدون إعادة صياغة جديدة ومختلفة بشكل جذري للنظام السياسي الفلسطيني، وللحركة الوطنية الفلسطينية عموماً، بشقيها الوطني والديني، تبقى حدود الأداء الفلسطيني تتراوح ما بين رفض المشروع الاستيطاني وعدم الاعتراف به من جهة وعدم القدرة على منع تنفيذه على الواقع.