ليبيا.. هذه الارتدادات للهجوم على الهلال النفطي

ليبيا.. هذه الارتدادات للهجوم على الهلال النفطي

17 سبتمبر 2016
+ الخط -
هاجمت قوّات عمليّة الكرامة، بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، منطقة الهلال النفطي، الواقعة تحت سلطة حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، وهي منطقة استراتيجية تتميّز بثروتها النفطية الهائلة، وانفتاحها على البحر. واختارت الكتائب المهاجمة التوقيت والأماكن المستهدفة بدقّة، فتحرّكت نحو منابع النفط في وقت كانت فيه قوّات "البنيان المرصوص" مشغولة بمعركة دحر تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة سرت، وبذلت في سبيل تحريرها من سطوة التنظيم الإرهابي المذكور الكثير من الجهد، عتاداً وعدداً، ما جعلها مستنزفة، غير ملتفتة إلى معارك جانبية موازية. واغتنم أنصار حفتر ذلك الوضع، لتوسيع دائرة نفوذهم العسكري وامتدادهم الجغرافي من بنغازي نحو المنطقة النفطية. وبدا أنّ حرس المنشآت النفطية ليسوا على حرفية عالية، ذلك أنّهم يتبعون جهاز حراسة ومراقبة، وليس قوّة قتاليّة في مقدورها صدّ هجماتٍ عسكرية مكثّفة ومباغتة. وجاء الهجوم قبيل عيد الأضحى (يوم عرفة)، وهي فترة ارتخاء أمني، ونقص في عدد حرّاس المنشآت النفطية، ما جعل السيطرة عليها أمراً ميسوراً. وعلى الرغم من أنّ حركة التصدير من الموانئ النفطية متوقّفة، بسبب توتّر الوضع الأمني في البلاد، فإنّ المؤكّد أنّ حفتر يروم من استيلائه عليها تعزيز حظوظه على طاولة المفاوضات، والبرهنة على أنّه رقم صعب، حاضر بقوّة في المعادلة الليبية، ولا يقتصر وجوده العسكري على مدينة بنغازي التي لم يحسم فيها الأمر لصالحه بعد.
وتكمن خطورة خطوة حفتر في ما تحمله من دلالاتٍ، وما يمكن أن ينجم عنها من تداعيات في الداخل الليبي، فالهجوم دلّ على انتقال حفتر وأتباعه من مرحلة إنكار الاتفاق السياسي إلى مرحلة الانقلاب العلني عليه، وهو الذي لا يعترف بشرعية المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني التي زكّاها المجتمع الدولي، ولا يُقِرّ بسيادتها على المنشآت النفطية، ويعتبرها خصماً له، لا شريكاً معه في بناء ليبيا الجديدة. لذلك، يعمد إلى تحجيم وجودها، والطعن في شرعيتها، ويتمرّد عليها تأسيساً لبوادر حكم عسكري، لا يحتكم إلى قواعد التداول السلمي على السلطة، ومخرجات الحوار الليبي/ الليبي الذي رعته الأمم المتّحدة، ومقتضيات قرار مجلس الأمن
2259 الصادر في هذا الخصوص. بل يحتكم إلى قوّة البنادق في إدارة الصراع على الثروة والسلطة في ليبيا. ومعلوم أنّ غاية حفتر هي البرهنة للمجتمع الدولي على أنّه رجل ليبيا القوي، وأنّه ممسك بزمام البلاد والمؤسسات الحيوية فيها، وقادر على الامتداد، وعلى استتباع الناس، ولو كلّفه ذلك الاستعانة بقوى خارجية. ومن المفارقات أنْ حفتر الذي رفع طويلاً راية مكافحة الإرهاب يحارب طرفاً سياسياً تصدّر معركة مقاومة الإرهاب، أعني حكومة الوفاق الوطني التي أحرزت تقدّماً مهمّاً في هذا المجال، ولم تجد عوناً من قوّات حفتر التي تخلّفت عن معركة سرت، واختارت تأجيج الصراع على منابع النفط التي يُفترض أنّها ملك مشترك لعموم الليبيين، وهي مصدر قُوتهم، والأجدر إخراجها من دائرة الصراع، حتّى لا تسقط الدولة، ولا تتزايد معاناة المواطنين. والملاحظ أنّ مجلس النوّاب المنتهية ولايته، ويفترض أن يكون أميناً على العملية الديمقراطية، حريص على استمرارها، أعرب على لسان رئيسه، عقيلة صالح، عن تأييده عملية البرق الخاطف بقيادة خليفة حفتر، على الرغم مما فيها من خروجٍ عن الشرعية، واستعراضٍ للقوّة، وعمل على تعطيل التجربة التوافقية، ودفع للبلاد نحو مهواة الاحتراب الأهلي.
ولاستيلاء كتائب حفتر على الهلال النفطي ارتداداتٌ خطيرة، في مقدّمتها إمكان تزايد وتيرة الاحتقان، والاستقطاب الثنائي داخل المجتمع الليبي بين المناصرين لحفتر والمؤيّدين للمجلس الرئاسي، وبين دعاة الانفصال بين الشرق والغرب ودعاة الالتزام بالوحدة الترابية لليبيا. كما لا يُستبعد أن تندلع مواجهاتٌ عسكرية دامية بين قوّات حفتر وقوّات حكومة الوفاق الوطني، بغاية السيطرة على موانئ النفط ومنابعه، في حال لمْ يتمّ التوصّل إلى تسويةٍ سلميّةٍ بين الطرفين. ومعلوم أنّ استمرار هذا الوضع المأزوم سيؤثّر سلباً على الاقتصاد الليبي، ويزيد من تراجع الدينار الليبي، وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن. وتغليب منطق المغالبة على المحاورة، والاحتكام إلى أزيز الرصاص بدل التفاوض سيجعل الاتفاق السياسي في مهبّ الريح، ويُنذر بتفكّك الدولة، وصعود النزعات الانفصالية، والنعرات العشائرية والقبلية، وهو ما يمكن أن يهيئ الظرف لظهور "داعش" مجدّداً، ولإمكان حصول تدخّل عسكري أجنبي مباشر، بحجّة مكافحة الإرهاب وحماية منابع النفط.
في هذه اللحظة الدقيقة من تاريخ ليبيا، أحرى بدول الجوار، والدول الكبرى ذات الصلة بالشأن الليبي، (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، إيطاليا، ألمانيا...) التوجّه نحو دعم مشروع حكم ديمقراطي توافقي في البلاد، والعمل على الحدّ من فوضى السلاح، والتأسيس لجيش جمهوري ليبي موَحَّد، يكون حارساً للعمليّة الديمقراطية، لا واحداً من أسباب استعادة الاستبداد والوصاية على النّاس، ويكون حِرفيّاً، قادراً على تأمين الاستقرار والمحافظة على مصالح شركاء ليبيا، وتجنيب البلاد ويلات الحرب الأهليّة ومساوئ التحوّل إلى دولةٍ فاشلةٍ بامتياز.
511AC165-C038-4A2F-8C46-0930BBB64EBE
أنور الجمعاوي

أستاذ وباحث جامعي تونسي، فاز بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي (فئة الشباب) من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. له عدة أبحاث وكتب.