حوار لبنان... عبثية النظام

حوار لبنان... عبثية النظام

06 اغسطس 2016
+ الخط -
أنهى اللبنانيون جولةً جديدة من الحوار الذي دام ثلاثة أيام، لم تأتِ بجديدٍ سوى الاتفاق على تشكيل "مجلس شيوخ". لم يبحث الحاضرون أياً من المواضيع الاجتماعية الأساسية في البلاد. يريدون فقط توسيع قاعدة المحاصصة، لتطاول مجلس الشيوخ العتيد. هذا كلّ ما يفكّرون به لا أكثر.
لم يتفق المتحاورون على إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، يضع حداً لولايةٍ نيابية، تستمرّ منذ العام 2009. بالتالي، ستصبح استمرارية القانون الحالي، المسمّى "قانون الستين"، أمراً واقعاً قبل موعد الانتخابات المرتقبة في ربيع 2017. الجميع يرفض هذا القانون، لكن الجميع لا يقوم بما يتوجب القيام به لتغييره. ما يعني أن أي انتخاباتٍ، وفق القانون الحالي، ستؤدي إلى ديمومة الأزمات الدستورية والسياسية.
لم يتفق المتحاورون على الموضوع الرئاسي. لا على اسم ميشال عون ولا على اسم سليمان فرنجية، المرشحيْن المنتميين إلى صفوف "8 آذار". مع العلم أن انتخاب رئيس جمهورية في لبنان لن يحلّ المشكلات كلها. ففي السابق، نَمَت المشكلات وتشعّبت، بوجود رؤساء جمهورية. بالتالي، القول إن انتخاب رئيس سيؤدي إلى تحسّن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مجرّد أبيات شعرية، لا تعالج لبّ المشكلة، المتمثلة في النظام اللبناني والنظرة النمطية للحكام فيه.
يكفي إلقاء نظرة على ديكور طاولة الحوار. كل ما فيها يدلّ على أننا في بلادٍ غير لبنان. وكأن الموجودين حول الطاولة ينظمون ورشة عمل في دولةٍ غير عالمثالثية. لا يُمكن محاسبة هؤلاء، لا نيابياً ولا شعبياً، وكأنهم يملكون حصانةً لا تُمسّ. ذلك لأن طبيعة النظام الطوائفي الهشّ، وسهولة استخدام الشعارات الطائفية والمناطقية، سمح لهم بالتصرّف، وكأنهم قيادات باقية إلى الأبد، ولا شعب سينتفض عليهم.
أما في شأن "مجلس الشيوخ"، فإن مبدأ هذا المجلس يقوم على خطوةٍ أوليةٍ قبل تأسيسه، وفقاً للمادة السابعة من بند الإصلاحات السياسية في اتفاق الطائف: "مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يُستحدث مجلس للشيوخ، تتمثل فيه جميع العائلات الروحية، وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية". إذاً، علينا انتخاب مجلس نيابي خارج التقسيم الطائفي، ثم نعود إلى تشكيل مجلس الشيوخ. كيف سنتمكّن من انتخاب مجلسٍ نيابي غير طائفي، في الوقت الذي تُكرّس فيه أقوال السلطة وأفعالها النظام الطائفي، عبر تمسكها، حتى الآن، بقانون الستين النيابي؟ وإذا لم نتمكّن من انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، فهل نمضي في تشكيل "مجلس الشيوخ"؟ وإذا شكّلنا هذا المجلس، فما ستكون وظيفته، خصوصاً أن "القضايا المصيرية" في لبنان لا تُعدّ ولا تُحصى، تبدأ من تعيين أصغر موظفٍ في أصغر دائرةٍ رسمية، وتنتهي بوجود حزب الله في سورية. وهل سيحلّ هذا المجلس مسألة تضارب الصلاحيات بين السلطات اللبنانية؟ أو هل سيتمكّن من إنارة طريقٍ في ليلٍ مظلم على طرقات لبنان؟ وهل سيتمكّن من إيجاد الحلول للمشكلات، الطبية والتعليمية؟
عدا عن ذلك، يبدو أن السلطات اللبنانية تملك "ترف الوقت"، خصوصاً أن جلسة الحوار المقبلة لن تُعقد قبل شهر، وكأن لا شيء يستوجب عقد حوار اجتماعي، أو فتح جلسةٍ نيابيةٍ لمعالجة المشكلات الاقتصادية في البلاد، ولا يبدو أنهم يريدون ذلك أساساً. في الواقع، لا أحد منهم نزل إلى السوق في الفترة الأخيرة، أي منذ نحو 20 أو 30 عاماً، ليشتري علبة لبنة أو ربطة خبز أو بعضاً من الخضار. كما أن لا أحد منهم اطّلع على فاتورةٍ طبيةٍ متعلقة به، ولا على قسطٍ مدرسي، ليغرق في اليأس، ولا أحد منهم أيضاً يعلم ماهية الطرد من العمل، طالما أنهم يتلقون رواتبهم من دافعي الضرائب، أي المطرودين من أعمالهم ودافعي الأقساط المدرسية والفواتير الطبية.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".