السيسي واستهلاك خطابه الفقير

السيسي واستهلاك خطابه الفقير

01 سبتمبر 2016
+ الخط -
بدأ خطاب عبد الفتاح السيسي يخرج للعلن، فور أن أزاح النظّارة عن عيون ذلك الرجل الغامض الذي كان يعد مع المجلس العسكري وقيادات الجيش والشرطة بالطبع خطة إطاحة رئيس منتخب شرعي، وساعة أن طالب الجماهير (جماهيره) بالتفويض والنزول إلى الميادين في غروب الشمس، (اختار ساعة الغروب لثورته، مع أن الثورات تحب ساعات النهار والوضوح)، وبدأت ركائز الخطاب تتضح وتخرج للعلن، ساعة أن أعلن نيّته للترشح رئيساً للجمهورية، وكلها مفرداتٌ لدغدغة مشاعر الجماهير المسطحة، والمرأة البسيطة، خصوصاً (أرامل المعاشات ومعاش السادات ونساء انتظار نقاط العيش)، (وهذه نكتة كان ينفع لو ألّفها جحا بنفسه، لكنه للأسف مات وترك أحفاده من دون فكاهة).
وتجلّى خطابه غنائياً وموسيقياً بالطبع على أغنية "تسلم الأيادي"، وهو بالطبع خطاب المؤلف، وليس خطاب السيسي، بسيط وضعيف الدعامة والإقناع، ودعنا الآن من منطقه، أو سلامة عباراته، أو حتى محتواه الفكري، ولا تخرج، في كل مستوياتها، عن ثلاثة خطوط رئيسية، خط التحريض على خصوم الداخل وهم "الإخوان المسلمون" خصوصاً، ونعتهم بأهل الشر، وهي على منوال "إحنا شعب وهمه شعب". وتعزيز هذا الخطاب بكل قوة، إلى درجة تأليف أغنية ساذجة بهذا المعنى، نال كاتبها جائزة الدولة التشجيعية في شعر العامية، مع بعض التوابل التحريضية عامية اللفظ، مثل "خلوا بالكم من مصر"، "أوعه يفرقوكوا"، "عاوزين نبقى دايما كده"، مع شبك يديه معاً مع تسبيلة في العينين وبعض ابتسامة عاطفية، وإن وجب الكزّ على شفته السفلية فعلها، وخصوصاً لو صفقت السيدات في الصفوف الأولى، "هو انتوا مش عارفين إنكم نور عنينا ولا إيه".
وقد يأخذ الخطاب ذلك الطابع العسكري الليّن، مثل "لو سمحت، لو سمحت"، وقد يشتد تمثيلياً كما حدث مع إبراهيم عيسى: "مش هسمحلك تقول كلمة العسكر تاني". وبالطبع، تترسّم علامات الخوف والرعدة على وجه إبراهيم عيسى، "فقرة كده لزوم التمثيل وإشاعة الخوف في السادة المشاهدين في بر مصر".
وقد يعود الخطاب رخيماً ومليئاً بالود، مثل "مش هنسيب بلدنا لحد"، "هنكافح ونجوع حتى، بس هنبني بلدنا"، وقد يأخذ الخطاب، من دون أن يدري صاحبه، دلالةً نفسيةً صادقةً عن طبيعة الرجل، وخصوصاً حينما يقول: "أنتوا عاوزين تاكلوها يعني، ولا عاوزين تاكلوها؟"، فهل هذا الكلام يمثل نفسية رجلٍ يحكم بلداً في حجم وتاريخ وجغرافيا مصر؟ أشك كثيراً، لكنه يمثل نفسية رجل يدافع عن "كومة بلح"، خوفاً عيها من جوع الآكلين ونهمهم، وهذه، في حد ذاتها، مأساة تستحق التحليل النفسي. وبالطبع، لا بد أن تكون النهاية في كل خطاب "تحيا مصر" ثلاث مرات، مثل الدواء، وخصوصاً في نهاية كل شهر، حينما يعود بضعة عمال مصريين غلابة كانوا مخطوفين، (اشتغالة) لزوم تضميد الجراح والخسارة والشعبية التي تناثرت خلال سنتين، تحت سياط الدولار وسقوط الطائرات وفرار السيّاح خارج مصر. خطاب لرجلٍ، يحاول أن يروّج بضاعة داخلية كاسدة.
أما لو تحول الخطاب إقليمياً مدغدغاً مشاعر الأخوة الخليجيين، وخصوصاً أيام (الرز)، فلا يخرج خطاب السيسي عن "مسافة السكة" أو مشابهاتها من الجمل المستهلكة، وإذا تأخر (الرز) تكفلت المليشيات الإعلامية بعمل دور المهاجم، مع التصريح الرسمي على كلام المليشيات، بأنه يخص آراء أصحابه، ولا يخص الرأي الرسمي لمصر (إبراهيم عيسى حينما يتطاول على السعودية، وأحمد موسى حينما يتطاول على قطر)، أما خطاب الرجل دولياً، فلم يخرج عن محاربة الإرهاب، الشماعة التي أخاف بها حسني مبارك الغرب 30 سنة في أثناء حكمه الذي استمر تحت مظلة قانون الطوارئ وسيفه، حتى تم خلعه. الخطاب نفسه، وطريقه تسويقه في الغرب نفسها، وبأسلوب بائس، مع إرسال وسطاء لإقناع الغرب، وغالباً ما يكون البابا تواضروس أو شيخ الأزهر. وكم كنت أتمنى أن يرسلوا أحمد الفضالي ونجيب جبرائيل لإقناع أم ريجيني بحسن نيات النظام. وبالفعل ذهبا، وأخذا معهما وكيل وزارة الأوقاف، الشيخ عباس شومان. وكانت النتائج في غاية الروعة، وأظن أن وصول الثلاثة إلى إيطاليا كان المقدمة الطبيعية لفوران زلزال إيطاليا الأخير، الذي ظل كامناً، ولم يكن له مثيل منذ مائة سنة.