كم تكلّف قاطرة هيكل الوطن؟

كم تكلّف قاطرة هيكل الوطن؟

11 اغسطس 2016

ماذا أبقت قاطرة هيكل لفقراء مصر؟ (Getty)

+ الخط -
القاطرة الدافعة للوطن التي كان يعنيها محمد حسنين هيكل، قبل "30 يونيو"، مكونة من لواءات الشرطة والجيش وكبار الصحافيين والإعلاميين ومديري ورؤساء البنوك ومستشاري الوزراء والوزراء والخبراء والعلماء ورؤساء الجامعات وكبار القضاة والمحامين وكتّاب الواجهة من الأدباء وكبار مشايخ الطرق الصوفية والنقابات الفنية والموسيقية والسفراء وكبار الأجهزة الأمنية داخلياً وخارجياً وقومياً. كم يكلّف ميزانية هذا الوطن المنهك، أو شبيه الوطن على حد تعبير عبد الفتاح السيسي نفسه، إذا كان الراتب الشهري لرئيس البنك الأهلي هشام أحمد عكاشة، مليوني جنيه مصري و865 ألفاً و540 جنيهاً؟
تأمل هذا الرقم جيداً، وتأمل طول القاطرة، وحاول أن تبلع الشاي. ليس هذا الرقم الشهري المهول ثمناً للوحة لفان غوغ، ولا أجر الراقصة دينا نظير حفلاتها في شرم الشيخ، ولا أتعاب صافينار الراقصة من حفلات (الجونة) في رأس السنة، ولا عائد حق الأداء العلني لأغاني مغنية العرب الكبيرة فيروز خلال سنة في سبع قارات، لكنه الراتب الشهري لرئيس البنك الأهلي المصري، هشام أحمد عكاشة الذي أثبت والده عالم النفس، الدكتور أحمد عكاشة، بالعلم والوسائل الفرويدية والإجراءات المختبرية والسلوكية في معامله النفسية، أن الرئيس محمد مرسي يقترب من أن يكون مريضاً نفسياً. وهذا مثال وحيد بالأرقام لقاطرة هيكل الرافعة والدافعة للوطن. فماذا أبقت قاطرة هيكل في القاهرة للفقراء من التسعين مليوناً في سواد الوطن وعمومه، من دمياط حتى حلايب وشلاتين؟
واضح أن القاطرة أبقت فقط على أحكام الإعدام وغرامات القضاء، من الدابودية مروراً بقنا وأسيوط والمنيا والجيزة، بشرط أن تظل قاطرة هيكل منعمة خلف الستائر كما هي، والجراء الشاردة هنا وهناك تدهس على القضبان الحديدية، وكل آنٍ تخرج نازلي من حنطورها أو دهبيتها أو قطارها، أو تخرج سوزان أو جيهان تلوّح بمروحتها للواقفين، ويظل هيكل ستين سنة ينظر للقاطرة من باريس أو لندن أو من حدائق قصره في برقاش، حتى تصل فوائد الدين العام إلى أن تتوازى سنوياً، بالتمام والكمال، مع مرتبات المحروسة مصر، ومازالت بقايا قاطرة هيكل صالحةً لإثارة الدهشة وجلب الاستثمارات والمؤتمرات الاقتصادية الضخمة ليلاً في الفنادق، والتي يهرب أصحاب الأرقام منها صباحاً، بعد حفل الافتتاح الذي غالباً ما ينتهي بدينا أو صافينار أو بعض البهارات الحداثية من محمد منير أخيراً.
لاحظ أننا فقط حسبنا راتباً واحداً فقط بالأرقام من مرتبات جنود القاطرة، وتجاوزنا عن تلاعب ابنٍ لهيكل نفسه مع ابن لمبارك في أموال البورصة، وكم تكلف الوطن جرّاء التلاعب، لأننا نحسب (الحلال البلال) فقط، ولا نحسب المسالك الأخرى الأرضية لأفراد القاطرة ومنظريها وأبنائهم وأحفادهم، وتلك مصيبةٌ أخرى تحتاج حكومات وثورات، ولك أن تتأمل أن ترساً واحداً من تروس تلك القاطرة الصائمة المناضلة، وهو حسين سالم، قد سدد للدولة فقط خمسة مليارات ونصف من الجنيهات المصرية، كوّنها ضابط مخابرات، فماذا كان سوف يكوّن لو كان ضابطاً في الجمرك؟ فما بالك بباقي التروس الأخرى الكامشة في الداخل والخارج؟
لاحظ أننا أخلينا القاطرة تماماً من رجال الأعمال، ومن واضعي اليد على أملاك الدولة ومن الهاربين بأموال البنوك ودماء العبّارات. وأخلينا القاطرة تماماً من جزاري الحمير والكلاب والقطط، ومن تجّار المخدرات والأعراض والسلاح، وجعلناهم كلهم سنداً وترساً للاقتصاد القومي قوة حيوية نابضة جداً في قاطرة هيكل، وذلك تسامحاً ومدنية وتجاوزاً. ولك، بعد ذلك، أن تتخيل مستقبل الوطن. هذا فيما قال السيسي لهيكل نفسه إنه لا ينام سوى ساعتين، على ما أبلغ هيكل لميس الحديدي. فماذا، والعياذ بالله، لو كان السيسي ينام ملء جفيه هانئاً لاهياً عن شواردها ومصائبها ونخيلها وماعزها وركبانها سبع ساعات في شرم الشيخ صيفاً، أو أسوان شتاء أو يدخن السيجار الكوبي أو البايب والعياذ بالله؟، حينئذٍ، لهلكت الأمة عن بكرة أبيها وأمها وأخوالها وأعمامها أيضاً، لكن الله سلّم.