يوم حققت باكستان قفزة نوعية

يوم حققت باكستان قفزة نوعية

06 مارس 2016

المخرجة الباكستانية شارمين عبيد تتسلم جائرة الأوسكار (29 فبراير/2016/أ.ف.ب)

+ الخط -
حقاً، سيبقى التاسع والعشرون من فبراير/شباط يوماً خالداً في ذاكرة الباكستانيين، كيوم عيد حققت فيه باكستان قفزة نوعية. فناس هذا البلد طيبون وشغوفون ومحبون للإسلام (حرفياً ومجازياً)، وهو بلد في أوج استعداده لنهوض حضاري جديد. فأمة مئتي مليون اختارت أن تواجه التحديات الكبرى أولاً، والتي يمكن إيجاز بعضها في العناوين الثلاثة: تصورات خاطئة عن القيم الإسلامية، وأولويات اقتصادية غير مرتبة، وقدرة على التسامح عليلة. فكيف لهذا البلد أن يخرج من هذا المأزق؟
حققت باكستان قفزتها النوعية يوم أصبحت شارمين عبيد أول مسلمة وباكستانية تحمل جائزة الأوسكار للمرة الثانية، فقد استطاع فيلمها الوثائقي القصير أن يوضح، بجلاء، الطريقة البشعة التي تُستخدم لقتل النساء باسم الإسلام وباسم الشرف. وقف الباكستانيون، بكل فخر واعتزاز، عندما كانت تستلم شارمين الجائزة بكل تواضع. ولم يكن الأردني، ناجي أبو نوار، أقل حظاً منها، بفوز فيلمه "ذيب" بالترشح لجائزة الفيلم الأجنبي الطويل، ليكون الفيلم العربي وحده المرشح للجائزة التي ذهبت إلى فيلم بولندي.
حصل الفيلم الوثائقي القصير "فتاة في النهر: ثمن الصفح" على جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير في احتفال أوسكار. وهو عن فتاة يافعة أطلقت عائلتها النار عليها في وجهها. ضُربت، وأُطلق عليها النار، ورُميت في النهر داخل كيس من الخيش. كان جرمها أنها هربت لتتزوج من خطيبها الذي سبق لعائلتها أن وافقت عليه، لكنهم رفضوا بعد ذلك، بعدما اكتشفوا أنه شاب فقير.
من حسن حظ الفتاة أنها أمالت رأسها لحظة قبل وصول الرصاصة إليها، ما أدى إلى خدش خدها عوض تحطيم رأسها. واستطاعت الفتاة البالغة 19 عاماً التشبث ببعض الشجيرات والهروب من النهر الموحل، لتصل إلى مخفر الشرطة، وتبلغ عن الجريمة، ثم نُقلت إلى المستشفى. ولاحقاً، تنازلت عن التهم الموجهة ضد شقيق زوجها وكبار القبيلة، ولا تأسف عن صفحها هذا.
في باكستان ممارساتٌ كثيرة مماثلة، فبعض الآباء والإخوة المحافظين والنافذين، غالباً ما يعتبرون تحدُث الفتيات مع فتيان غرباء، كانوا زملاء دراسة أو زملاء عمل أو جيراناً، بمثابة مسّ بشرف البنت والعائلة. وعندما يشكّون في تحرّرهن، يلجأون، في غالب الأحيان، إلى العنف الجسدي، وفي بعض الحالات يصلون إلى القتل. وطبقاً للقانون الباكستاني، قد يسلم مرتكبو مثل هذه الجرائم من العقاب، إذا ما صفحت عنهم عائلاتهم.
عندما قرأت شارمين عن قصة تلك الشابة، في تقرير صحافي سنة 2014، تتبعت خطواتها وقضت معها قرابة العام، من أجل تصوير قصتها الطويلة. وقبل فوزها بجائزة الأوسكار، كان رئيس الوزراء، نواز شريف، قد دعا شارمين إلى القصر الرئاسي، لعرض الفيلم الوثائقي، وتم ذلك بحضور كبار الشخصيات.
وقد رأت شارمين في إضافة عنوان فرعي للفيلم الوثائقي، هو ثمن الصفح، رسالة ضمنية
للرئيس الباكستاني، من أجل تعهد لإعادة النظر في القانون. وقد تعهد نواز شريف بتخليص البلاد من هذا الجرم بتشديد التشريعات. وقال وسط تصفيق حارّ إنه "لا يوجد قتل باسم الشرف في الإسلام". أما وقد جلبت شارمين شرفاً كبيراً للبلاد، فإن رئيس الوزراء لن يستطيع التراجع عن وعده لبنات باكستان. وبالإضافة إلى التشريعات، فإنّ المجتمع الذكوري في حاجة متساوية إلى الوعي بحقوق النساء الراشدات على النحو الذي يحدده الإسلام. ولم تخف شارمين فرحتها عند إعلان انتصارها على النظام. وقالت، بعد تسلمها التمثال الذهبي: "هذا ما يحدث، عندما تتحد بعض النساء المناضلات."
أما القفزة النوعية الأخرى التي حققتها باكستان، فتمثلت في إعدام قاتل متطرّف خرق قانون الدولة بقتله أحد المواطنين. ففي الرابع من يناير/ كانون الثاني سنة 2011، قُتل محافظ إقليم بنجاب، سلمان تاثیر‎، بعد تلقيه 27 طلقة نارية من مسافة قريبة من حارسه الأمني الخاص، مالك ممتاز قدري، الذي أقدم على فعلته، بعدما اعتقد خطأ أن سلمان تاثير ينشر الكفر، بسبب دعوته إلى تعديل القانون المتعلق بالإساءة إلى الإسلام.
وكان الرجل قد اتّهمه متشددون بذلك، وتلقى تهديدات من متطرّفين، لكنه أصر على أن باكستان بحاجة لمراجعة التطبيق الخاطئ للقوانين المتعلقة بالإساءة إلى الإسلام. وقد تم ترحيل المتهمين بـ "الإساءة إلى الإسلام" من باكستان إلى أوروبا على مر السنين، عاد قليلون جداً منهم، بعد أن خفتت وطأة الغضب مع مرور الوقت. وظلت الحكومة تقاوم ضغوطاً شديدة بشأن حكم الإعدام الصادر بحق قدري من اليمين الديني، الذين طالبوا بمنح القاتل مهلة، أو بالإفراج عنه. لكن الرئيس الباكستاني، ممنون حسين، رفض منح العفو، وطلب تنفيذ حكم الإعدام، وهو ما تم الأسبوع الماضي (29 فبراير/ شباط) حتى لا يتمكن أتباع قدري من تمجيده كل سنة. وشهدت البلاد احتجاجاتٍ يوم إعدامه، وفي جنازته، لكن الإقبال كان ضعيفاً، على أن بعضهم كان قد أيده، ومنهم محامون أمطروه ببتلاتِ الورد إبان كان على ذمة التحقيق القضائي. كما أن دعوات جماعات دينية بإعدام كل من ساند قرار إعدام قدري لم تلق أي صدى شعبي.
ولا شك أن كل باكستاني لا يريد نهاية جرائم الشرف، ولا مراجعة تنفيذ قانون "الإساءة إلى الإسلام". لكن، هناك مناخ أفضل للنقاش. فالأمة التي يبلغ 70% من سكانها أقل من 30 عاماً على استعداد لمراجعة نفسها. نقلت باكستان مليشيا "طالبان" إلى واد بعيد، ما أدى إلى تحسين القانون وحال النظام. النضال من أجل أن تكون باكستان، كما تصورها محمد علي جناح، لم ينته بعد، لكن لحظة التاسع والعشرين من فبراير تستحق احتفالاً صاخباً.

دلالات