يعلمون نهاية هذا الطريق

يعلمون نهاية هذا الطريق

19 فبراير 2016
+ الخط -
كما كان متوقعاً، لم يحدث شيء في مصر في الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير. لم تخرج أي تظاهرات أو مسيرات أو أي حشود. لم تنفجر الأرض، ولم تغلق الشوارع من الحشود. توقع كثيرون ذلك، فلا يمكن تخليق ثورة أو استنساخ أحداث في غير موعدها، خصوصاً لو كانت عوامل الثورة لم تكتمل بعد، ولم تتشكل، أو تتجمع الكتلة الحرجة بعد. وربما كانت هناك مسيرات لـ"الإخوان المسلمين" هنا أو هناك، وربما كانت هناك قطاعات غاضبة، تزداد يوماً بعد يوم. ولكن، لم تتجمع بعد الكتلة الحرجة التي لا يرهبها عنف السلطة ووحشيتها ودمويتها. وأول من كان يعلم أن اليوم سيمر "عادي" هم السلطة وأجهزتها الأمنية، فكل ما حدث في الأسابيع الماضية من تحذيرات واعتقالات وإجراءات احترازية فزاعة مختلقة لمزيد من التشويه والقمع وإشغال الناس.
كما كان متوقعاً من الأجهزة الأمنية التي تحكم مصر، اختلاق فزاعة جديدة لإرهاب الناس من وهْمٍ ما، ثم يخرج عشرات الخبراء العسكريين والأمنيين، ليحذروا من مؤامرات الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، وتكتب مئات المقالات التي تحذّر من المجهول، عشرات البرامج الحوارية المذعورة، خطبة عبد الفتاح السيسي التي تحذر من اللاشيء، مئات المعتقلين في أيام قليلة، سواء من القيادات الوسطى في "الإخوان"، أو حتى حركات شبابية ونشطاء حقوقيين.
يعتقد بعضهم أن حالة الذعر من المجهول كانت متعمّدة ومخطط لها من الأجهزة الأمنية، فنشر الذعر واختلاق مؤامرات هو مبرر البقاء ومبرر البطش ومبرر الإجراءات التي يطلق عليها احترازية. وبالطبع، مبرر جديد لمكافآت وبدلات من الميزانية.
فرصة عظيمة لإغلاق مسارح وأماكن ثقافة خارجة عن سيطرة الأجهزة الأمنية، وتعتبر بؤرة لتجمع أعداد من الشباب الناقم على الأوضاع السياسية والاقتصادية. فرصة عظيمة لاعتقال أعضاء المكتب السياسي لـ6 إبريل وبعض قياداتها. فرصة عظيمة لتلفيق قضايا. فرصة عظيمة للتخلّص من نشطاء مزعجين أو صحافيين خارج القطيع، أو أطباء يحاولون التخفيف من آلام معتقلين يعانون من إهمال طبي. فرصة عظيمة للتنكيل بالجميع، وفرض مزيد من القيود، بزعم إنقاذ الوطن ومنع الفوضى، على الرغم من أن أحداً لم يعلن نية النزول من الأساس، للتظاهر في ذكرى ثورة 25 يناير. فقط عدة صفحات، أو عدة أصوات هنا أو هناك. لكن، لم نسمع عن جهة محددة كانت تخطط للنزول المنظّم في ذكرى 25 يناير، لكنها كانت فرصة لمزيد من البطش والاستبداد.
السؤال الأهم الآن، هل هناك من استوعب الدرس داخل السلطة؟ هل يبدو أن هناك من تدبّر أو
اتّعظ من أي شيء؟ للأسف لا، كالعادة يخدعون أنفسهم قبل أن يخادعوا الناس، يختلقون الوهم ليصدقوه ويتباكوا عليه بعد ذلك، جمهورية الخوف تصنع الأكاذيب، وتصدّقها وتروّجها بعد ذلك، وها هم مرتزقة الخبراء العسكريين والأمنيين ينتشرون في الفضائيات والصحف مرة أخرى، ليعلنوا نجاح الأجهزة الأمنية في إبطال مفعول المؤامرة الكبرى.
إنها جمهورية الخوف التي تتغذّى على صناعة الإرهاب، فإذا كانت شرعية المنظومة الحالية معتمدة، بشكل رئيسي، على أن السيسي هو المنقذ الذي أنقذ مصر من الإرهاب والفوضى، فلا بد من تخليق الإرهاب، حتى يكون هناك مبرر لمزيد من القمع والاستبداد، لا بد من تخليق الإرهاب، حتى يمكن تبرير الفشل الاقتصادي، وسوء مستوى المعيشة، وزيادة معدلات الفساد والإهمال.
إنهم أول من يعلم أن زيادة الظلم هي ما يغذي الإرهاب، وتضم قطاعات جديدة لمن يرغب في الانتقام. هم أول من يعلم أن توسيع قاعدة الظلم تؤدي إلى توسيع دوائر الغضب والحنق. إنهم أول من يعلم أن الحل الحقيقي لوقف الإرهاب، أو لمنع احتمالات الفوضى، هو إزالة أسباب الغضب، هو عدم إيجاد عداوات جديدة، أن يكون المسار السياسي والفكرى قبل الحلول الأمنية أو على الأقل بالتوازي. ولكن، بعد عامين ونصف من الإجراءات الاستثنائية والقمع للجميع وإغلاق المجال السياسي، هل اختفى الإرهاب، هل استقر الوضع السياسي والاقتصادي؟ هل اختفت المشكلات؟ هل اختفى من يعتبرهم النظام وأجهزته الأمنية أعداء الوطن أو طابوراً خامساً؟
إنهم أول من يعلم أن هذه السياسات لن تحقق أي شيء، ولو بعد 100 عام. بالكاد، قد يتحقق استقرار هش. ولكن، ستبقى النار تحت الرماد، سيبقى الغضب في القلوب، مهما تم إخراس الألسنة.
للأسف الشديد، أعماهم الغرور والعنجهية والعناد. إنهم يقودوننا نحو مزيد من الخوف ومزيد من الإجراءات القمعية والاستثنائية، وهذا الذعر الذي حدث، في الأسابيع السابقه لذكرى 25 يناير، يدل على ذلك. هم أول من يعلم أن الأوضاع تزداد سوءاً، وأن المبرارات والفزّاعات لم تعد مجدية، وهم أول من يعلم أن استمرار هذا الطريق سوف يؤدي إلى الانفجار.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017