التواريخ الصحاح في سيرة صلاح صلاح (1-2)

التواريخ الصحاح في سيرة صلاح صلاح (1-2)

15 ديسمبر 2016
+ الخط -
أفضل مَن كتب عن مدينة طبرية وبحيرتها الأخاذة هو أنيس صايغ، في مذكراته "أنيس صايغ عن أنيس صايغ" (بيروت: دار رياض الريس، 2006). أما رشا صلاح فقد سبقت والدها عشرين سنة، حين كتبت "العام المقبل في طبرية: رسائل فتاة فلسطينية من لبنان"، ونشرته بالفرنسية (باريس: منشورات ألبان ميشال، 1996)، مستعيرةً المعايدة اليهودية المعروفة: "العام المقبل في يروشلايم". وفي عيده الثمانين، ها هو صلاح صلاح يُصدر مذكراته التي وضع لها عنواناً جميلاً "من ضفاف البحيرة إلى رحاب الثورة" (بيروت: دار الفارابي، 2016)، وقدم لها طلال سلمان الذي أطلق عليه الاسم الجامع: "العربي مجاهد بن غوير أبو شوشة الفلسطيني". وغوير أبو شوشة هي مسقط صلاح صلاح (أبو ربيع) التي رأى النور فيها في 1936، والتي تبعد عن طبرية تسعة كيلومترات فقط. وفي هذه المذكرات، يروي المؤلف حكاياتٍ من طفولته، وسيرة عائلته التي كانت تسكن مضارب الشَعر، وكيف توفي والده محمد جرّاء التعذيب الذي تعرّض له على أيدي القوات البريطانية التي كانت تفتش البيوت عن السلاح. وبعد وفاة والده، تزوجت والدته عمه حسين. وعندما وقعت النكبة، لجأت العائلة إلى عين الحلوة في لبنان، بينما لجأ كثيرون من العائلة نفسها إلى سورية، حيث لهم في منطقة البطيحة عمومة وخؤولة لحّاً لحّاً. وفي هذه المذكرات الحارّة، يعرض الكاتب للحياة اليومية في مخيم عين الحلوة، ويصف خيمة الجرس وخيمة الجمل والمراحيض المشتركة التي كانت تحجبها عن العيون قطعة قماشٍ تتدلى من أعلى باب المرحاض إلى أسفله (ص 46)؛ هذه المراحيض المهينة التي أفاضت الروائية الفلسطينية سامية عيسى في الكلام عليها في روايتها "حليب التين" (بيروت: دار الآداب، 2010).
تمرّ طبرية في هذه المذكرات كالشبح، مع أنها مدينة شديدة الحضور في التاريخ القديم والمعاصر. فقد سُميت على اسم الإمبراطور طيباريوس، وكان عدد من تلاميذ المسيح صيادي سمك في بحيرتها. ولهذا، اتخذ المسيحيون الأوائل السمكة، وبالتحديد سمكة المشط، شعاراً لهم. وفوق مياه البحيرة، صنع المسيح آخر معجزاته قبل الصعود. وفي هذه المدينة، وضع أحبار اليهود "التلمود الطبراني" الذي يختلف قليلاً عن "التلمود البابلي"، وفيها قبر موسى بن ميمون (ميمونيدس)، ومقام سُكينة بنت الحسين، وإلى جوارها تقع المجدل والشجرة وكفركنا وعيلبون وحطين. والمجدل هي مسقط مريم المجدلية، وفي الشجرة، مسقط ناجي العلي، استشهد الشاعر عبد الرحيم محمود، وكفركنا هي قانا الجليل التي أجرى المسيح فيها معجزته الأولى، تحويل الماء خمراً. أما عيلبون ففيها نفذت حركة فتح أولى عملياتها، معلنة انطلاقة الثورة المسلحة في 1/1/1965. وفي حطين، انتصر صلاح الدين الأيوبي على الفرنجة.
يُخبرنا صلاح صلاح أن وعيه السياسي بدأ يتبرعم تحت شجرة الزنزلخت في عين الحلوة، 
واتخذ من كلام والدته نبراساً له، حين خاطبته ورفاقه الغاضبين بالقول: "ما تعصبم، ما تنفعلم، ما تصيحم... فلسطين هاذ هي، إذا كنتم رجال رجعوها" (ص51). وذلك الوعي انتظم لاحقاً في سياق سياسي، حين اكتشف نشرة "الثأر" التي كانت تصدرها هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل (ص 57). وما لم يذكره صلاح صلاح أن أصل التسمية هي محاضرة لعلي ناصر الدين في إبريل/ نيسان 1951 بعنوان "الثأر". وكان لعلي ناصر الدين صلة طيبة بجورج حبش وهاني الهندي ووديع حداد، فلما أرادت مجموعة "الشباب القومي العربي" إصدار نشرة لها، اختارت "الثأر" اسماً لها، وصدر العدد الأول منها في 20/11/1952، وكانت هيئة تحريرها مؤلفة من صالح شبل وثابت المهايني وأديب قعوار وعدنان فرج ومصطفى بيضون وسمير صنبر. ونشرة "الثأر" سبقت منظمة شباب الثأر؛ تلك المنظمة التي أعلنت عن وجودها غداة مؤتمر إقليم فلسطين في حركة القوميين العرب في غور الجفتلك في 29/8/1964. ومنذ ذلك التاريخ، صارت البيانات السياسية تصدر باسم "المنظمة القومية لتحرير فلسطين- وحدات شباب الثأر". ونعثر في هذه المذكرات على قصةٍ طريفةٍ عن أول لقاءٍ لصلاح صلاح وجورج حبش، فيقول: التقيت جورج حبش، أول مرة، في سنة 1954 في منزل محسن إبراهيم في صيدا، وهناك نظر إليّ حبش قائلاً: شو ها الجاكيت إلّي لابسو مثل إلّي لابس جاكيت إبنو. وكان الجاكيت لمحسن إبراهيم، فأعطاه لصلاح صلاح، كي يكف عن الارتجاف جرّاء البرد الذي أصابه في ذلك اليوم (ص126). ويخبرنا الكاتب عن اعتقاله، أول مرة، في سنة 1956 في أثناء مشاركته في تظاهرةٍ ضد تحويل مياه الأردن (ص151)، وكيف أن أحمد اليماني (أبو ماهر) دعا في سنة 1957 إلى حرق الخيم (الشوادر) وأكواخ الزينكو فور البدء في الزحف السلمي الجماعي إلى الوطن المغتصب (ص102)، وهو اقتراح عاطفيّ وكارثيّ معاً. ومن هنا، تبدأ قصة صلاح صلاح مع السياسة والاعتقالات، ومغادرته لبنان إلى سورية في سنة 1959 فراراً من الملاحقة الأمنية. وفي سورية (الإقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة) سُجِّل لاجئاً بصورةٍ رسميةٍ (ص112)، ثم حصل على جواز سفر مصري (ص 125)، وأقام في بلدة تل كوجك الصحراوية على الحدود السورية – العراقية حتى سنة 1961 حين وقع الانفصال، فعاد إلى دمشق ليُعتقل. لكنه تمكّن من الفرار من سجن حمص، بمساعدة أحد الجنود السوريين.

لا نساء
المذكرات ذكورية إلى حد بعيد، فلا نساء إلا والدته وسميرة صلاح (أو فريال سعيد الشيخ سليم) التي أصبحت زوجته في 8/8/1970، والتي لم يرد اسمها في المذكرات قبل الصفحة 144. أما النساء القليلات فقد وردت اسماؤهن بشكل عابر، أمثال بدرية الشاعر (الحب الأول) والمناضلة وداد قمري وعزة حيدر وعدلة أيوب وأميرة خريبي ورغدة شناعة وسعاد سلوم وآمنة جبريل وفتحية أبو العردات وليلى خالد ورشيدة طه. ربما كانت حال القوميين العرب على ذلك المنوال آنذاك، فالجلوس في المقاهي، خصوصاً الأنكل سام في بيروت، ممنوع، وارتياد السينما ممنوع، وشرب الخمر علناً ممنوع، والاختلاط بالفتيات ممنوع. وقد أحدث زواج جورج حبش استياءً كبيراً عند كثير من شبان حركة القوميين العرب، الأمر الذي أوجب بحث الموضوع بشكل جدي (راجع: أحمد الخطيب، الكويت من الإمارة إلى الدولة: ذكريات العمل الوطني والقومي، بيروت: المركز الثقافي العربي، 2007). ويروي بعض قدامى القوميين العرب أنهم اتفقوا على عدم الزواج قبل تحرير فلسطين، وعلى عدم التبسّم، وعلى عدم ارتياد أماكن اللهو حتى المقاهي. ويبدو لي أن هؤلاء شعروا، مع قيام الوحدة المصرية – السورية، بأن التحرير اقترب، فراح بعضهم يتزوّج. وهكذا تزوج جورج حبش في دمشق، ثم تبعه وديع حداد، وفي دمشق أيضاً. واللافت أن كثيرين ظلوا، حتى آخر يوم في حياتهم يرفضون تقبل التهنئة بالأعياد، أمثال أبو ماهر اليماني ورفعت النمر، ويقولون إن
"عيدنا هو يوم عودتنا". ومن طرائف هذه المذكرات أن صلاح صلاح نُقل إلى طرابلس، وتدبّر رفاقه غرفة له تحت الأرض (قبو). وحين حاول أن يستقر في مسكنه الجديد، صدحت الموسيقى من غرفة مجاورة، وشاهد ثلاث فتيات يرقصن وهن يرتدين ملابس "غير محتشمة"، بحسب معاييره في تلك الأيام، فحمل حقيبته، وخرج من القبو، ولم يعد إليه (ص 108). وفي أي حال، فإن طبيعة عمله السياسي السرّي فرضت عليه أن يعيش في أجواء ذكورية خالصة. ولأن نشاطه كان محصوراً في المخيمات بالدرجة الأولى، فهو لم يذكر الدمشقية أسماء أبو الخير الموقع، على سبيل المثال، وهي من أشهر فتيات حركة القوميين العرب، وعاصرت بدايات تأسيس الحركة في الجامعة الأميركية في بيروت، وكانت رفيقةً لجورج حبش، وللرعيل المؤسس، وكان بيتها في بناية صالح عرقجي، في آخر نزلة أبو طالب، أو أول طلعة الحمام العسكري، مركزاً لاجتماعات الشباب القومي العربي، أمثال صالح شبل وحامد الجبوري ونهاد هيكل وموريس تابري وثابت المهايني وعدنان فرج، علاوة على جورج حبش ووديع حداد وأحمد الخطيب وهاني الهندي. وكان هؤلاء يطلقون على منزلها اسم "بيت الأمة". وشهد هذا البيت تأسيس "الحلقة الثقافية" التي كانت النواة الأولى للشباب القومي العربي في ما بعد. واللافت أن أسماء أبو الخير الموقّع التي نشطت تنظيمياً في منطقة صيدا، وشاركت في إصدار نشرة "الثأر"، لا يذكرها صاحب المذكرات، مع أنها، بعد عودتها إلى دمشق، أصبحت عضوةً في قيادة إقليم سورية، وطوردت في عهد الانفصال، ثم التحقت بصفوف الفدائيين في الأردن في سنة 1968، وشهدت معركة الكرامة، ثم عادت مجدّداً إلى دمشق. وعلى يديها، التحقت بعض فتيات دمشق بالحركة، أمثال شكران قنواتي وقمر الحافظ وامتثال الحافظ وجهاد دروزة ورجاء خماش (أنظر: نهيل عادل عويضة، أسماء أبو الخير الموقّع، سلسلة "نساء شاميات" رقم 1، دمشق: د.ن.، 2008).
لا نعثر في هذه المذكرات على تحليل شافٍ للتحوّلات التي عصفت بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. والشائع أن تاريخ الجبهة الشعبية هو تاريخ التخلي عن الأفكار والمواقف؛ فقد تخلت الجبهة عن الخط القومي التقليدي، وتبنت الاشتراكية العلمية في المؤتمر الثاني (فبراير/ شباط 1969)، وكانت الماركسية – اللينينية التي اعتنقتها خلطة شعبوية ماوية وفيتنامية وكوبية، وردة فعل على المجموعة اليسارية التي انشقت على الجبهة، واختارت اسم "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين". وتخلت أيضاً عن العلاقة المميزة مع جمال عبد الناصر، بعد قبوله مشروع روجرز في سنة 1970، وإن كان نقد الناصرية بدأ في أوساط القوميين العرب قبل ذلك التاريخ؛ ففي أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول 1966 بدأ محمد كشلي ينشر مقالاتٍ في مجلة "الحرية" بعنوان "نقد التجربة الناصرية" و "نحو يسار عربي جديد". وتخلت الجبهة عن استراتيجية خطف الطائرات في 1972، وطوت موقفها الرافض مشروع الدولة الفلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة الذي رفضته في سنة 1974 (برنامج النقاط العشر)، وعادت لتقبله بعد عام 1979. ثم تخلت عن موقفها الراديكالي من "الرجعية العربية" بعد هزيمة 1982، حتى إن جورج حبش، القومي العربي، الذي كان زعيم جبهة الرفض منذ 1974 فصاعداً قَبِل الحل المرحلي لقضية فلسطين، وقَبِل فكرة الوحدات العربية المتجانسة، مثل مصر والسودان (وادي النيل)، ودول المغرب العربي، والهلال الخصيب، ودول شبه الجزيرة العربية، وهو التصوّر الذي صاغه أنطون سعادة في ثلاثينيات القرن المنصرم، وناهضه القوميون العرب بقوة (راجع: محمود سويد، التجربة النضالية الفلسطينية: حوار شامل مع جورج حبش، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1998). ثم إن هذه المذكرات لم تتطرق إلى التحوّل نحو الأسلمة في صفوف الجبهة الشعبية نفسها بعد سنة 1982، وهي الظاهرة التي أشار إليها، بأسف، جورج حبش حين تحدث عن ظاهرة الحجاب وارتياد المساجد لدى بعض أعضاء الجبهة (أنظر: صقر أبو فخر، السفير، 22/5/1998، مراجعة للحوار مع جورج حبش المذكور أعلاه).

لم يعجبني
لم تعجبني عبارة "عمي الأمير حسين" (ص54)، أو جملة "ديوان الأمير أبو علي"
(ص55)، لأن عمه حسين هو أمير عرب، أي شيخ عشيرة، وليس أميراً بحسب التقاليد الأوليغارشية، أو بحسب تراتبية الأعيان في الأرياف العربية. حتى "الأمير" فخر الدين المعني أو "الأمير" بشير الشهابي هو مجرد أميرا لاي، أي أمير لواء مكلف بجباية الضرائب في منطقة محدّدة (نظام الالتزام، وليس النظام الإقطاعي كما كان يردّد الشيوعيون)، وليس أميراً معقوداً له لواء الإمارة على طريقة النظام الملوكي الأوروبي. فلماذا يكرّر صلاح صلاح هذه العبارة، مع أنه "تثقف بأيديولوجية الطبقة العاملة واطلع على تطبيقات الاشتراكية العلمية في بلدان عدة (...)، بعد أن اكتشف أنه ولد ونشأ في عائلة اشتراكية بالفطرة"؟ (ص36). وفي هذا الميدان، أرى أن من الملائم التذكير بأنه لا علاقة لعبارة "أيديولوجية الطبقة العاملة" بالماركسية، بل هي من المصطلحات التي روّجتها الكتب الساذجة لبودوستنيك وياخوت، على غرار "كيف تصبح شيوعياً بأحد عشر درساً واثني عشر تمريناً". وكانت الجبهة الشعبية تطلق على اليساريين المنشقين عليها صفات مثل "اليسار الطفولي" و "اليسار الانتهازي"، بينما ظلت أدبيات الجبهة الديمقراطية تطلق على قيادة الجبهة الشعبية صفة اليمين، وتكرّر ذلك في بيانات الانشقاق الأخير، أي الجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين. فما باله يعود، بعد أربع وأربعين سنة، ليستعمل العبارات نفسها، ويلصقها بحركة فتح، بعدما ضاقت الفوارق كثيراً بين المنظمات الفلسطينية كلها، حتى صارت مثل البقرات السود في الليل الأسود، بحسب تعبير هيغل؟ فهو لا يتردد في الكلام على "أصحاب نهج اليمين" (ص 320) و"اليمين الفلسطيني" (ص 360)، وهي مصطلحات بائدة. والحقيقة أن الماركسية، بطبعتها المتخلفة، أي اللينينية، لم تتغلغل في وعي قيادة الجبهة الشعبية البتة، على الرغم من اعتناقها رسمياً. وكان قادة الجبهة يتغرغرون بجملٍ عامة، لا قيمة علمية لها مثل: الماركسية منهج ودليل عمل، أو: نحن نسترشد بالماركسية – اللينينية في نضالنا، ولا نتبنى كل ما فيها (في إشارة إلى الدين والإلحاد).
لم تعجبني أيضاً الطريقة السينمائية في عرض الذكريات، أي التقدم والتأخر في الزمن. فعلى سبيل المثال، يقفز من الكلام على حوادث أيلول الأسود (ص251) وزواجه (256) إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في سنة 1982 فوراً، قافزاً فوق حوادث مايو/ أيار 1973 التي يفرد لها فقرة صغيرة في سياق مقالةٍ من ست صفحات، وفوق الصراعات الفلسطينية- الفلسطينية، بعد صدور برنامج النقاط العشر في سنة 1974، ثم تأليف جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية، والحرب الأهلية اللبنانية (1975)، واجتياح سنة 1978 غداة عملية كمال عدوان التي كانت دلال المغربي في عداد أبطالها، وحرب المئة يوم في لبنان، بعد مفاوضات كامب ديفيد (1978)، علاوة على توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وانتصار الثورة الإيرانية (1979)، ثم اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980). ثم يعود إلى بعض الموضوعات في مقالاتٍ مستقلةٍ تبدو كأنها أُلحقت إلحاقاً بالمذكرات، أو أن الكاتب ارتأى أن تتضمن مذكراته هذين الضربين: السرد المتسلسل بحسب الزمن، ثم سرد بعض الموضوعات، بحيث يكون بعضها مستقلاً عن بعضها الآخر. وفي هذا الأمر، تنافر جلي. وبحسب اعتقادي، يجب أن تحترم المذكرات وحدة المنهج، فإما أن تتبع طريقة التحقيب الزمني، أو أن تتبع نهج الموضوعات، على أن تلتزم التسلسل الزمني في داخل كل موضوع، ولا يجوز الخلط بين الطريقتين. والحال أن هذه المذكرات الجميلة والحارّة والممتعة أربكتنا، بعد الصفحة 324. فالفصل ما قبل الأخير، على سبيل المثال، وهو "الفلسطينيون ينتفضون ضد الشعبة الثانية" (ص 406) كان يجب أن يوضع قبل الفصل "تحديات ما بعد الانشقاقات" (ص 231)، أو حتى بعده مباشرة، وليس بعده بأكثر من 200 صفحة.