التكامل "الإرهابي" العربي

التكامل "الإرهابي" العربي

13 ديسمبر 2016
+ الخط -
ماذا يقول الأحياء للأموات الذين أغمضوا عيونهم على أمنيةٍ وحيدةٍ في حياتهم، بأن يروا الحدود السورية العراقية مفتوحة؟
يخطر في ذهني هذا السؤال اليوم، بعد أن تحقّقت "الأمنية"، وأصبحت الحدود بين البلدين مفتوحةً تمامًا. لكن، لا أدري هل ستهدأ أرواح الموتى، لو عرفوا بما حدث بعد "الفتح المبين"؟
باعتباري "حيًّا"، سأتولى الإجابة الصادمة، وأقول للموتى الحالمين: "نجوتم قبل تحقق الحلم، أما نحن الأحياء، فقد ابتلينا بتحققه".
أتحدث إلى الموتى، الآن، وفي ذهني وزير النفط الليبي الأسبق، أمين عام منتدى الفكر العربي في عمّان لاحقًا، المرحوم الدكتور علي عتيقة، بوصفه ممن ودّعوا الحياة على هذا الحلم، قبل "الربيع العربي".
كان عتيقة يستشهد بهذه الحدود المغلقة، في ندوات منتدى الفكر العربي، خصوصًا إذا كان الحديث يدور عن "التكامل الاقتصادي العربي"، وهو المصطلح المبتسر الذي تبناه بعض المفكرين العرب، في السنوات الأخيرة، بديلاً من حلم الوحدة العربية الذي أصبح كـ"حلم إبليس في الجنة"، فاختاروا، لكي يكونوا "واقعيين"، سقفاً أوطأ من سابقه، وفي قناعتهم أن التكامل الاقتصادي قابلٌ للتحقيق، قبل أن يكتشفوا لاحقًا أن السقف ما يزال أعلى كثيرًا من هرم أحلامهم المهدّم.
كانت غصّة المرحوم عتيقة نابعة من هذا الستار الحديدي الذي فصل بين بلدين عربيين نحو ثلاثة عقود، على الرغم من اشتراكهما في أيدولوجية واحدة، هي أيدولوجية حزب البعث. وكان الأولى، ما داما كذلك، أن يكونا أكثر البلاد العربية انفتاحًا، أحدهما على الآخر، بحكم هذا التقارب "الفكري" والعقدي، فضلاً عن رابطة الجوار والعروبة..إلى آخر تلك الروابط التي أشبعَنا إياها التاريخ حقنًا وتلقيماً. لكن، شاءت الأقدار أن تكون العلاقة بين البلدين قائمةً على التشاحن والتآمر والقطيعة التامة، بل وصل الأمر إلى حد مشاركة نظام حافظ الأسد، في الحلف الثلاثيني الذي دمر العراق، إبّان حرب الخليج الأولى، وهو ما يثبت زيف أيدولوجيات الأنظمة العربية، ويبرهن، بالرصاصة والمدفع، أن المرجعية الفكرية الوحيدة لهذه الأنظمة هي "كوابيس" الزعيم فقط، ونتاجات فكره المحتقن في "المراحيض".
عموماً، مع سقوط البعث العراقي، في حرب الخليج الثانية، بدأت الحدود بين سورية والعراق تنفتح رويدًا رويدًا، فسمح النظام السوري للدواعش بالتسلّل إلى العراق، بتواطؤ مع بعض قادته الجدد، ثم تطوّر الأمر إلى حدّ استعانة النظام "البعثي" السوري بالحشد الطائفي العراقي، لقمع ثورة شعبه عليه، وهو الحشد الذي لم يحتشد ساعةً للدفاع عن بلده، حين سقط في غضون ساعات بيد الغازي الأميركي، ومن بعده الفارسي الإيراني، لكنه سرعان ما احتشد وثارت ثائرته، دفاعًا عن نظامٍ يفترض أنه "بعثي"، ويعيد إلى ذهنه ذكرى "بعثية صدام" التي يحاربها ويعدم رموزها ويطاردها في كل مكان في العراق، فكيف يمكن أن تستقيم مثل هذه المفارقة الكاريكاتورية، إلا إذا كان المقصود هو "النجدة الطائفية" لنظام حكم قائم فعلاً على حكم "الطائفة"، حتى وإن ادّعى "البعثية" و"التقدمية".
للموتى الحالمين أقول: هي ذي الحدود العراقية السورية مفتوحة الآن على مصراعيها، وثمّة تبادلٌ مضحك حد الفجيعة بين البلدين "الشقيقين"، فمن الجهة السورية، يجري تصدير "الدواعش". ومن الجهة العراقية، يتم تصدير "الحشد الطائفي"، الملقّب زورًا بـ"الشعبي"، ولا شي غير ذلك، غير آلات الموت التي يحملها كل طرفٍ لتدمير البلد الآخر، وإبادة شعبه، ولا تعجبوا إن رأيتم "الداعشيين" و"الحشديين" يتبادلون التحايا على الحدود، ويسلم كل طرف على الآخر، ويدعو له بــ"النصر المؤزر"؛ لأن الأهداف مرسومةٌ، والأدوار التبادلية معروفة، والغاية النهائية ترسيخ الطائفية، ووأد كل أمل عربي بالحرية ونفض الاستبداد، والأمر نفسه يحدث الآن مع قاهر "القاهرة"، عبدالفتاح السيسي الذي هب بجيشه لنصرة صديقه الديكتاتور في دمشق.
أما بالنسبة للمرحوم علي عتيقة، فأقول: نم قرير العين، فقد تحقق "التكامل العربي"، لكن مع تعديلٍ طفيف، لا يغير في جوهر الحلم كثيرًا؛ إذ تحول من "تكامل اقتصادي عربي" إلى "تكامل إرهابي عربي"، وطوبى للقُطرية، إذا كان نقيضها مثل هذا التكامل.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.