قمّة مراكش ونُذُر فناء البشرية

قمّة مراكش ونُذُر فناء البشرية

25 نوفمبر 2016
+ الخط -
فجّرت الجمعية الدولية للمناخ، في القمّة الثامنة والعشرين للمناخ المنعقدة في مراكش، قنبلة علمية وإعلامية في آنٍ معاً، بإعلان ارتفاع معدّل درجة حرارة القشرة الأرضية والمسطحات المائية بما يعادل 1.2 درجة مئوية عمّا كانت عليه ما قبل الثورة الصناعية، بالتوازي مع ما أعلنه مرصد مونالوا في هاواي، ووكالة الفضاء الأميركية ناسا، من وصول معدلات غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى ما يعادل 400 جزء بالمليون فعلياً من الغلاف الجوي، والذي يمثّل حدّاً فاصِلاً، سوف يزيد من مستوى الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، بشكل مضطرد ككرة ثلج تهوي، ويفاقم من الحلقة المفرغة التي تؤدي إلى ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، وتحوّلهما إلى مسطحاتٍ مائية تمتص حرارة الشمس، واللذين كانت جبال الجليد البيضاء فيهما أفضل عاكس لها، يُعيدها إلى خارج الغلاف الجوي.
ويشي ذلك الإعلان، من الناحية التقنية، باحتمالات ضئيلة لإمكانية التزام الدول الموقعة على اتفاق باريس الذي يقتضي الحد من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، بسرعة وبشكل جذري، لمنع ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية، والتي سوف يصبح بعدها من شبه المستحيل من أن تبقى الكرة الأرضية بالشكل الذي نعرفه، حيث سوف تصبح الكوارث البيئية من فيضانات، وأعاصير، وتصحّر مهول، وجفاف مقيم، الحالة شبه اليومية في كل بقاع العالم، ما يقود أكثر من 250 مليون إنسان إلى الهجرة من أرضهم، سواء بسبب غمرها لارتفاع منسوب مياه البحر، جرّاء ذوبان جبال الجليد آنفة الذكر، أو بسبب التصحر الذي سوف يضرب بعنف في منطقة حوض البحر المتوسط، حسب تقرير استثنائي نُشِر، أخيراً، في مجلة العلوم بعنوان "التغير المناخي.. اتفاق باريس والنظام البيئي في حوض المتوسط"، وخلاصته أن ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية سوف يعني تصحراً شبه مُطلق في جميع مناطق حوض المتوسط، بما يشمل معظم الدول العربية التي سوف يكون أكثرها تأثراً هو المغرب، وتونس، ومصر، وسورية، وفلسطين، إضافة إلى المناطق الجنوبية في إسبانيا، وتركيا، وإيطاليا؛ وهو تصحر يعني غياب كل الغطاء العشبي والشجري، وتحول تلك الأرض صحراء رملية قاحلة.
ويزيد قلق المطلعين على نذر المستقبل المناخي المهول صعود دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة
في الولايات المتحدة حيث كان سير البطة العرجاء لإدارة أوباما شرّاً يحتمل إيجاد حلول جزئية إلى حد كبير، وخطواتٍ مرحلية على طريق الألف ميل معها، وهو ما يبدو مستبعداً مع إدارة ترامب التي يبدو معظمها أنهم من عتاة صناعة استخراج الوقود الأحفوري، وخصوصاً تقنية (فراكينغ) التي كان المسوق العالمي الأول لها هو هيلاري كلينتون، إبّان كانت وزيرة للخارجية، والتي تعتمد ضخ كميات مهولة من الماء العذب، بضغوط شديدة عبر ثقوب القشرة السطحية للأرض، بما يجبر الغاز أو النفط الصخري على الخروج من ثقب آخر، وهو ما يترك احتمالاتٍ كبيرةً لتسرّب كميات كبيرة من الماء الملوث بالوقود الأحفوري، المستخرج إلى المياه الجوفية، ويُحدث مشكلةً مستعصيةً، تتعلق بمعالجة الكميات المهولة من المياه التي يتم هدرها في تلك التقنية، أو التي يتم التخلص منها بتصريفها إلى مياه البحار، لتعود إلى البشر من جديد بكل سمومها، حينما يأكلون أياً من منتجات البحر، سواء كانت أسماكاً أو غيرها، وخصوصاً فيما يتعلق بمعادن الزئبق، والكادميوم، والرصاص، والزرنيخ، واليورانيوم.
وعلى المقلب الآخر، يقوم الشبح النووي الذي يهدّد بتدمير الكرة الأرضية، سواء بخطأ تقني محتمل، وهو ما حدث مراتٍ، وتم تلافيه بأعجوبةٍ في آخر لحظةٍ، بتدخل من البشر المشرفين على المنظومات النووية، خلافاً لما تمليه منظومات الإدارة الآلية للأسلحة النووية، والذي وثّقه المفكر نعوم تشومسكي، في كتابه الجديد "من يحكم العالم". وإن حدث ذلك، فإنه سوف يقود إلى سلسلة من الهجمات النووية الانتقامية بطريق الخطأ التي سوف تفني البشرية فعلياً، أو تقودها إلى شتاء نووي مشابه للذي أدى إلى انقراض الديناصورات في عصورٍ سحيقة، ولا يستبعد أن يؤدي إلى انقراض البشر إن حدث.
ولتعزيز ذلك الشبح المقيم والمهول، قامت إدارة الحائز على جائزة نوبل للسلام، باراك أوباما، بإطلاق مشروع بقيمة تريليون دولار، لتصنيع أسلحة نووية ذكية، يمكن استخدامها على نطاق
ضيق، وبشكل ذكي يشابه طريقة إدارته في قتل كل من تشاء في أيٍّ من بقاع العالم، من دون محاكمة أو لجنة محلفين، أو شهود، أو دفاع المتهم عن نفسه، عبر عشرات الآلاف من طائرتها من دون طيار التي يبدو أن آخر قواعدها السرية حطّت في تونس؛ التي قد تكون خضرتها في طريقها إلى الاندثار والزوال، حسب تقرير مجلة العلوم المشار إليه. وذلك المشروع للأسلحة النووية المصغرة يعني فعلياً وجود إرادة لدى الساسة الغربيين لاستخدام الأسلحة النووية فعلياً وليس الردع بها، كما أكدت ذلك رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، التي أكدت استعدادها للقيام بذلك "عند الضرورة"، من دون أن تفكر في عقابيل ذلك من ردٍّ نووي من الطرف الآخر المقابل، أو مئات آلاف القتلى المحتملين، جرّاء استخدام تلك الأسلحة الذين طالما نظر إليهم الساسة في الغرب بأنهم بمثابة أضرارٍ جانبيةٍ، لابد من وقوعها.
قد يكون المفكر كريس هدجيز محقاً في اعتبار أن الوسيلة الوحيدة والمتاحة لإخراج البشرية من ذلك النفق المظلم الذي لا نهاية له إلا بفناء البشرية نووياً أو بيئياً، بقبول كل البشر بضرورة التحرّك الفعلي في الشوارع والساحات على طريقة "الربيع العربي"، ليكون "ربيعاً إنسانيا" يترفع فيه الجميع عن حقد قابيل على هابيل، ويوقن فيه الجميع بإخفاق كل النظم الحاكمة في أرجاء المعمورة، سواء بفسادها، أو بارتهانها للشركات الكبرى العابرة للقارات، التي لا يعنيها سوى الربح السريع، بغض النظر عن الخاسرين، ونظام العلاقات الرأسمالية على الطريقة النيوليبرالية المتوحشة، القائمة على اعتبار تعظيم الثروة غاية الغايات، بغض النظر عن أكلافها على المستويين الاجتماعي والإنساني.
إن كان للأرض صوت، فلابد أنها تتفجع مخاطبةً ذلك الإنسان الأعمى: تبت يداك بما جنيته على ذرّيتك من بؤس، وبما أوقدته من لهيب جهنم على الأرض، وهل هناك من أملٍ بأن يتوقف فوك عن النفخ فيها، وأن ينطق بكلمة حقٍّ قبل فوات الأوان.
3F551E00-D2AC-4597-B86B-AF0030A9D18D
مصعب قاسم عزاوي

كاتب وطبيب سوري مقيم في لندن، له عدد من المؤلفات