أزمة أوروبا واليابان

أزمة أوروبا واليابان

06 أكتوبر 2016

أوروبا الموحدةً غير قادرة على لعب دور عالمي (Getty)

+ الخط -
لم تخرج اليابان من الأزمة التي أطاحتها، في عقد التسعينات، بعد أن كانت كل المراهنات تعتقد أنها ستكون "على قمة" العالم، بعد أن دخلت أميركا في أزمتها منذ سبعينات القرن العشرين، وتفاقمت نهاية ثمانيناته، وأفضت الى عمليات اندماجٍ كبيرة في الشركات والمؤسسات المالية. ولا يظهر أنها قادرةٌ على تجاوز وضعها، وهي تعاني من مديونيةٍ هي ضعف دخلها القومي (على الرغم من أنها بمجملها داخلية)، وقد أخذ دورها العالمي يغيب، ولم تعد صناعاتها منافسةً، كما كانت في ثمانينات القرن العشرين. ويبدو أنها تتحوّل إلى "دولة عادية".
ليست أوروبا أفضل حالاً، فعلى الرغم من أن توحيد العملة والعمل باليورو، منذ بداية هذا القرن، أوحى بأنه يمكنها أن تكون بديلاً "حقيقياً"، يفرض إعادة سيطرة أوروبا على العالم وتنحية أميركا، فقد غرقت سريعاً في أزماتٍ شلَّت من قدرتها، وربما تدفعها إلى التراجع وتفكّك الاتحاد الأوروبي. لقد ظهر أن هدف فرض اليورو عملةً موحدة هو نهب "المركز" لـ "الأطراف"، أي نهب ألماني فرنسي لدول أوروبا الشرقية ودول أوروبا الجنوبية، حيث جرى نهب الرأسمال الألماني "ممتلكات الدولة" في أوروبا الشرقية بالتعاون مع البيروقراطية القديمة في هذه البلدان التي تحوّل جزء مهم منها إلى الرأسمالية، وبات يتحكّم باقتصاد بلده، كما فعلت في ألمانيا الشرقية، حين حققت توحيدها مع ألمانيا الغربية، فأُفقرت الشعوب بشكل كبير، وباتت الدول تعاني من مديونيةٍ كبيرة. كذلك حدث مع بلدان أوروبا الجنوبية، حيث دُفعت للاستدانة من البنوك الفرنسية الألمانية، وأصبحت مديونيتها أكبر كثيراً من دخلها القومي، وأصبحت مضطرةً للخضوع لشروط صندوق النقد الدولي وللبنوك الممولة.
هذا ما تعيشه اليونان وإسبانيا والبرتغال، وحتى إيطاليا وقبرص. وبهذا، فقد بات استمرار قوة الاقتصاد الألماني (وهو الأقوى أوروبياً، ولم يدخل الأزمة إلى الآن)، والاقتصاد الفرنسي، معتمداً على قدرة بلدان أوروبا المدينة (في الشرق والجنوب) على سداد ديونها، وإلا انهارت بنوكها وعانت من أزمةٍ عميقة. ولهذا، باتت كل الدراسات تشير إلى الفقاعة الأوروبية، حيث يمكن أن تنفجر الفقاعة، وتعاني أوروبا من أزمةٍ كبيرة. تعاني من انهيار كبير ربما يطيح وحدتها، وبقدرتها الاقتصادية. وبالتالي، دورها العالمي. هذا الدور الذي يبدو هامشياً، وربما ملحقاً بالدور الأميركي، سواء تعلق الأمر بأوكرانيا أو بأفريقيا، وكذلك في "الشرق الأوسط".
حاولت ألمانيا أن تقيم "جسراً" مع روسيا، هو أشبه بتحالفٍ نتيجة المصالح الكبيرة التي تطوّرت بعد انهيار الاشتراكية، لكن أزمة أوكرانيا والتدخل الأميركي الذي فرض "حصار روسيا" أربك هذا "الجسر"، وأضعف التبادل التجاري بين البلدين، خصوصاً أن ألمانيا كانت تعتمد على الغاز الروسي الذي يصل إليها عبر الخط الذي كان يمرّ من أوكرانيا. وحاولت فرنسا أن "تتوسّع" في "الشرق الأوسط" من دون أن تستطيع اختراق الهيمنة الأميركية، وحاولت في سورية، مع تركيا وقطر، لكنها لم تصل الى شيء. وقد دخلت في "أزمة انكماش". لهذا، تميل إلى فرض سياسة التقشف، كما فعلت اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا. وحاولت التمدّد في إفريقيا، لتكريس وجودها التاريخي، لكنها تجد منافسة حقيقية من الصين وأميركا.
بهذا، لا يبدو أن أوروبا موحدةً قادرة على لعب دور عالمي، حيث أدى اختلاف سياساتها الاقتصادية إلى ضعف قدرتها كتحالف، وإلى تهديد وضعية اليورو. وإذا كانت بريطانيا تستفيد من الاتحاد الأوروبي، من دون دخول اليورو، فقد انسحبت منه، مغلبةً علاقتها الأميركية، حيث لا يبدو أنها قادرةٌ على فك تبعيتها. وهو الأمر الذي يمكن أن يفتح على تفكّك الاتحاد الأوروبي، وإلى التخلي عن اليورو، بعد أن نهبت ألمانيا ثروات شعوب شرق أوروبا وجنوبها. ولا يبدو أنها قادرةٌ على أن تكون قطباً في عالمٍ متعدّد الأقطاب. وهي تعيش متاهة البقاء موحدةً أو التفكك، وهو الأمر الذي طرح مسألة تطوير وحدتها، لكي تكون قادرةً على ضبط اقتصادها والحفاظ على اليورو. بالتالي، أوروبا تعيش همومها.