"العربي الجديد"... القلم الحر

"العربي الجديد"... القلم الحر

03 يناير 2016
+ الخط -
تشعر، وأنت تقرأ "العربي الجديد"، أنّ القلم العربي تحرّر، وتدرك أن الرقيب لم يجد له مكاناً في هذا المنبر الإعلامي، فترى العالم العربي بتنويعاته، وأسئلته المتعددة ومعضلاته الكثيرة، وإبداعاته الغزيرة. تتجلى لك الصورة بوضوح من جميع جوانبها، فتقرأ عن بذخ الأغنياء وبؤس الفقراء، وعن سطوة الحكام وصيحات الشعوب الثائرة، وتتابع، بعين مفتوحة، مأساة تهميش الشباب، وتسويد البوليس، واغتيال الأفكار في أرض العرب. وأنت تراجع يومياً موقع الصحيفة، تأخذك اللهفة لاستجلاء آخر ما استجد عن حصار غزة، وقصف السوريين وتهجيرهم، وتفكيك العراق، والانقلاب على إرادة المصريين بقوة العسكر، وتقرأ عن امتداد "داعش" في فراغنا الفكري، وانحدارنا الحضاري، وعن صعود الثورة المضادة وأفول الربيع العربي، بعد أن حاصره أساطين الدولة العميقة، ودعاة الرجعية وأعلام الشد إلى الوراء.
تستعذب قراءة التحليلات المعمقة والملاحق المميزة لصحيفة المواطن "العربي الجديد"، وتواكب جديد ما صدر في مجالات التقانة والثقافة والميديا، وتطالع أحلام شباب عربي توّاق للحرية والكرامة والإبداع وإثبات الذات. ويشتد بك شوق، من يوم إلى آخر، لقراءة صفحات الرأي في "العربي الجديد"، فتقف طويلاً عند نصوص مميزة، معبرة عن مشاغل العربي وأحلامه وهمومه في منعطف الألفية الثالثة، فتقرأ تدوينات دالة في الأنا والآخر، وفي تمحيص الماضي وتدبّر الحاضر، واستشراف المستقبل بعيون موضوعية وأقلام مسؤولة، فمنبر الرأي في الصحيفة فضاء يجسّد، بامتياز، ثقافة الاختلاف في العالم العربي، ويتيح المجال لصعود أقلام عربية شابة، ويسمح للقراء بالاطلاع على جديد ما أبدع أعلام التنوير في الفكر العربي المعاصر، برهان غليون وعزمي بشارة وكمال عبد اللطيف، وغيرهم.
و أنت تكتب في "العربي الجديد" تشعر أنك تمارس متعة الكتابة، على حد قول رولان بارت، فالكتابة هنا فعل وجود، وصوت وجدان ولسان عقل، وعنوان هوية، وفعلٌ متحرّر من سلطة الرقيب، ومن هاجس "التابو"، ومن شبهة "التعليمات الفوقية"، و"فوبيا الأحكام الزجرية". وأنا أكتب في "العربي الجديد"، أسمح لقلمي أن ينقد الرئيس والمرؤوس، والحاكم والمحكوم، والشرطة والعسكر، وأن يكشف ملفات الفساد المالي والإداري، ويفكّك ظواهر التطرف الديني، والعنف الإعلامي، والاستبداد السياسي، وأدافع عن المظلومين والمنفيين وسجناء الرأي ومن تقطعت بهم السبل، ولا أجد من يمنعني، ولا من يصادر قلمي، ولا من يعدّل مقالتي بالزيادة أو النقصان. ولا تصل إلي، ولو عبارة عتاب خفيفة من المشرف على صفحة الرأي، بل أجدني في "العربي الجديد" أتنفس نسيم الحرية، أحيا بروح الديمقراطية، وأتملّى ملامح عالم عربي جديد، يتحدّى جدران الصمت العالية، ويقطع مع عصور الظلام وزمن الدولة القامعة.
اختارت أسرة التحرير في "العربي الجديد" ألّا تسير في السبل المسطورة، وألّا تخضع لسلطان الحكام، ومقص الرقيب، وأشاعت روحاً جديدة في تاريخ الصحافة العربية، تنأى عن العنتريات الزائدة، والمدحيات الممجوجة، وترقى بعقل القارئ في مدارج التفكير، فمكّنته من الوصول إلى المعلومة، ونقلت الواقع في غير تزييف أو تزلف، فامتازت عن الصحف الصفراء في العالم العربي، وكشفت صلف المستبدين، وتهافت الانتهازيين من حولهم، وبؤس إعلامهم، فسقط القناع عن القناع، وبانت الحقيقة للناس، واتخذت الصحيفة في قلوب القراء وعقولهم موقعاً حسناً. ولكل قصة نجاح في أرض العرب ضريبة، فكان أن قام في أقصى البلاد قوم اغتاظوا من الصحيفة، فحجبوها، ليحولوا بينها وبين مريديها. فقط لأنها كشفت المستور، وانتصرت للمقهور، ورفضت دخول قصر الطاعة، لأنها تبنت مشروع التنوير، ودافعت عنه في زمنٍ مازال فيه طيف من العرب يرى الحرية تهمة، والديمقراطية كفراً، والتفكير كبيرة، والتنوير جريمة، والنقد خطراً. ومعلوم أن ردّ الناس عمّا ألفوا شديد، وأن درب التغيير غير سالك، لكن المعلوم، أيضاً، أن المحظور مرغوب فيه، وأن منع" العربي الجديد" سيزيد من إقبال الناس عليها، فالمنع في الحقيقة اعتراف بجرأة الصحيفة على طرح قضايا مسكوت عنها، وعلى إثارة أسئلة محظورة، ومساءلة مسلماتٍ قاتلة، ونقد شخصيات متألهة، تدّعي أنها فوق النقد.
على الرغم من محاولة المحاصرة والمصادرة، سينشر العربي الجديد ألواحه، المجد للعربي الجديد.

511AC165-C038-4A2F-8C46-0930BBB64EBE
أنور الجمعاوي

أستاذ وباحث جامعي تونسي، فاز بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي (فئة الشباب) من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. له عدة أبحاث وكتب.