الفشل العربي وليد التسلطية والتمييز

الفشل العربي وليد التسلطية والتمييز

10 سبتمبر 2015

آلاف السوريين في حماة يتظاهرون ضد التسلط والاستبداد (يوليو/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -
تعاني الحياة السياسية في الدول العربية من نواقص وعيوب وتناقضات كثيرة وكبيرة، فالأنظمة الجمهورية، وخصوصاً التقدمية التي اقتبست نظمها السياسية من أنظمة شيوعية، انطلقت من اعتبار الدولة مدخلاً سياسياً لتغيير المجتمع، وهذا استدعى تكييفاً قانونياً وإدارياً يقوي دور الدولة على حساب المجتمع، وهيمنة السلطة التنفيذية، تجسّدت في تركيز السلطات في يد رئيس الجمهورية، وصياغة دستور يوفر له هيمنة كاملة، ويمنحه صلاحيات شاملة على حساب سلطات البرلمان والقضاء والمجتمع، ودمج السلطة والحزب الحاكم والنقابات والتنظيمات الشعبية في كيان سياسي واحد، وظيفته ضبط إيقاع الحراك الاجتماعي، وهذا قاد إلى سيادة مفهوم للسياسة، يعتبرها مجموعة من المشكلات الإدارية، ويسمح، في حدود هذا المفهوم، بالحوار حول المشكلات، من أجل رفع مستوى الأداء ليس إلا، وقد ترتب على هذا المفهوم تحوّل الأطر الحزبية التي أقامتها هذه الأنظمة إلى أطر تحشيد وتحييد وتنميط، فالبرامج مفروضة من الأعلى، والتشديد على "الديمقراطية الاجتماعية" هدفه تبرير تغييب "الديمقراطية السياسية"، واستبعاد التفكير والعمل السياسي الحر والمستقل. ما حوّل النظام السياسي إلى نظام بيروقراطي مركزي، يركز على العمل التنفيذي، لا السياسي. وقد استكملت (الأنظمة) معادلة الهيمنة الداخلية، بفرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، قيّدت بها المواطن، ووضعته تحت طائلة المساءلة عند كل همسة، حتى بات دون حَوْل ودون قوة، وإطلاق يد أجهزة المخابرات التي أتت على ما تبقى من حرية وكرامة المواطن بتحويله إلى إنسان خائف، فأصبح المجتمع كله محكوماً بعقلية القطيع المنمط والمستلب.

وقد زاد انتقال الأنظمة الجمهورية من شخصنة السياسة إلى عبادة الفرد، ومحورة العمل السياسي والإداري حول الرئيس والقائد، صفاته، سجاياه، مكرماته، إلى درجة التقديس، من سلبياته، جعلتها أقرب إلى النظم السلطانية منها إلى النظم الجمهورية، خصوصاً مع تبني سياسة التوريث، حيث تماثلت مع الأنظمة الملكية والأميرية التي تصفها بـ"الرجعية"، بل في حالات محددة فاقتها بكثير.
أفرزت هذه الممارسة واقعاً وطنياً محطماً، أفقد المواطنين حماسهم وتحفزّهم الوطني، بعد أن غابت الفكرة الحافزة التي كانت تدفعهم إلى التعبير عن مشاعرهم وخياراتهم بالنزول إلى الشوارع عند كل حدث وطني أو عربي، خرجوا في حروب السويس وتحرير الجزائر واليمن، بينما تجمّدت مشاعرهم الوطنية في العقود الأخيرة، حيث تمر صور القتل الوحشي الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين، يومياً، من دون أن تهز فيهم مشاعرهم وتحفزهم على الخروج نصرة لإخوتهم، بعد أن كانوا في أربعينات القرن الماضي قد جاءوا آلاف الكيلومترات سيراً على الأقدام ليقاتلوا إلى جانب أبناء فلسطين، وجاء احتلال لبنان وزلزال العراق، من دون رد فعل شعبي، يناسب هذه الأحداث الجسام. فأغلبية المواطنين غارقة في الاغتراب الذي انعكس بين أبناء الطبقات العليا والوسطى، بتطليق الحياة العامة والانزلاق في حياة يومية هامشية، وبين أبناء الطبقات الشعبية بممارسة العنف الاجتماعي والأسري.
لذا، كانت ثورات الربيع العربي نتيجة منطقية لسياسات هذه الأنظمة، ولعل أول دروس هذا الزلزال وأهمها ذلك المتمثل في الارتباط الوثيق بين الحرية والكرامتين، الفردية والوطنية، فقد جاء في سيرة عنترة العبسي، وهو ابن غير شرعي من عبدة، أن سيده (أباه) طلب منه الكر على الغزاة وتحرير نساء من عبس اختطفوهن، فأجابه: العبد لا يحسن الكر، بل يحسن الحلب والدّر، ولم يكرّ إلا بعد أن قال له سيده: كر وأنت حر. فالمجتمعات/الشعوب الحرة والمواطنون الأحرار وحدهم يستطيعون، بما يملكون من حرية، رفع التحديات واجتراح المعجزات، لأنهم اعتادوا حياة الحرية والعزة في ظل أنظمتهم الوطنية، فلن يقبلوا أن يذلهم الأعداء، وسيادة العدالة والمساواة تجعل من المواطن شريكاً وصاحب مصلحة في استمرار الوضع القائم، فيندفع للدفاع عن الوطن والتضحية من أجله، أما العبيد الذين سحق القمع والقهر روحهم وكرامتهم وإنسانيتهم، فلا يعطون إلا المذلة والانكسار، والاستقالة واللامبالاة.
وقد سبق لمستشار الإمبراطور الألماني، غليوم الأول، أن قدّم في رد له على سؤال الإمبراطور حول أيهما يغزو الأستانة أم باريس، مقاربة ذات دلالة. قال إنك تستطيع غزو باريس واحتلالها بسهولة، لأن جيشها ضعيف، لكنك لن تستطيع البقاء فيها طويلاً، لأن فيها شعب حر سيقاومك ويتعبك ويضطرك إلى الانسحاب. ولن تستطيع غزو الأستانة بسهولة، لأن لدى السلطنة جيشا قوياً، لكنك إن استطعت هزيمته سيطول بك المقام فيها، لأن الشعب هناك عاش طويلاً تحت نير القهر والذل، ففقد طعم الكرامة ومعناها. وكان الشيخ محمد عبده قد قال كلاماً شبيهاً بهذا، عندما ربط بين العبودية والقهر والهزيمة. قال في تفسيره لسرعة انهيار مقاومة جيش أحمد عرابي أمام الإنكليز عام 1882: إن تَعوّد المواطنين على القهر والعبودية التي مارسها ضدهم المماليك كسر روح الكرامة والمقاومة فيهم، وقادهم إلى استمراء الذل والخضوع، فانهزموا، بينما على عكس ذلك صمد آباؤهم وأجدادهم في وجه حملة نابليون، قبل 75 سنة، واستمروا في المقاومة، حتى هزموا الحملة الفرنسية".
وليست السياسة الاقتصادية لهذه الأنظمة أحسن حالاً، فقد اعتمدت إعادة توزيع الثروة الوطنية، عبر الإصلاح الزراعي والتأميم، حيث ترتب على عملية التأميم ظهور قطاع عام سيطر على الدورة الاقتصادية، فتحولت الدولة إلى أكبر رب عمل، ما مكّنها من الإمساك والتحكم بالاستقرار الاجتماعي، عبر آلية استيعاب القوى العاملة برواتب قليلة من جهة. ومن جهة ثانية، تأمين خدمات صحية وتعليمية مجانية، ودعم المواد الغذائية، وهكذا وفر اعتماد سياسة "الاستيعاب" و"الدعم" لها فرصة تحقيق مهمة نظامها السياسي: السيطرة على المجتمع والتحكم بردود أفعاله وتطلعاته، بربط المواطن في حياته المعيشية بالسلطة، وإشعاره أن استمرار الظروف "الإيجابية" التي يعيش في ظلها مرتبط باستمرار السلطة وتأييده لها.
تبنت الأنظمة "التقدمية" العربية سياسة اقتصادية قائمة على ثنائية الإنتاج والتوزيع، فتحولت بذلك إلى أنظمة ريعية، أو شبه ريعية، مكّنتها ظروف استثنائية (وجود النفط، العمالة في دول النفط، المساعدات العربية على خلفية دعم المجهود الحربي ضد إسرائيل) من تحقيق إنجازات في هذا الصدد.

غير أن اعتمادها على سياسات إدارية قائمة على الولاء والمحسوبية والعصبية قاد إلى بروز فئات منتفعة من خيرات المجتمع، مكّنتها سيطرتها على أجهزة الإدارة السياسية والاقتصادية والأمنية من جني ثروات ضخمة من العمولات من عقود مشاريع الدولة، ومن تسهيل نشاطات تجارية غير شرعية (التهريب، التطفل على القطاع العام)، فأدارت العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يخدم استمرار هذه المنافع.
أما الأنظمة الملكية، والتي توصف بـالرجعية، فكانت ممارستها الاقتصادية أبسط، كون معظمها صاحبة ثروات نفطية كبيرة، ما مكّنها من اعتماد سياسة ريعية بالكامل، قائمة على "التوزيع" و"الهبات" و"المكرمات"، وهذا رتب إلحاق المواطن بالملك/الأسرة المالكة، وأفقده حقوقه السياسية وحريته ودوره في صياغة القرار الوطني، لارتباط الشراكة السياسية بالدور الاقتصادي. غير أن ارتباط هذه الدورة التوزيعية بالنفط وأسواقه، والاستنزاف المالي الذي يترتب على حجم فواتير الحماية الخارجية، السياسية والعسكرية لهذه الأنظمة، ناهيك عن هدر المال العام من الأسرة المالكة، قلّص قدراتها التوزيعية، وهذا أثار أسئلة واعتراضات شعبية حول السياسات الاقتصادية والخدمية، وحرّك ضدها قوى اجتماعية، تربت على الريع ونعمت بخيراته، وأسست حياتها المترفة بموجباته، ما ولّد حالة غليان شعبي ومفاصلة مع السلطة، عبرت عن نفسها بتحول المجتمع إلى حاضنة للحركات الدينية المتطرفة، سنية وشيعية، والتحاق آلاف الشباب بالحركات الجهادية.
بلغت الأنظمة العربية "التقدمية" و"الرجعية" نهاية طريق مسدود، فالناتج العربي المحلي بلغ عام 1999 ما مقداره 531.2 مليار دولار، أي أقل من دخل دولة فقيرة، مثل إسبانيا التي بلغ إجمالي ناتجها المحلي في العام نفسه 595.5 مليار دولار، من دون أن ننسى أن مصدر معظم الناتج العربي استخراجي (نفط، غاز، فوسفات، حديد)، أي ليس من مصدر إنتاجي رأسمالي. لذا، شهدت الدول العربية، طوال الربع القرن الأخير، حالة ركود وتدهور في دخل الفرد، في حين بقيت الزيادة السكانية مرتفعة (3.4%)، وهذا حمّل الاقتصاد أعباء كثيرة، حيث غدت الدول العربية بحاجة إلى تأمين 6 ملايين فرصة عمل سنوياً، للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، بينما تزداد نسبة الفقر بين المواطنين، في ظل تدني شبكات الأمان الاجتماعي، وتدني فعاليتها (تلعب آلية التكافل الاجتماعي الإسلامية دوراً في تخفيف حدة الفقر عبر تقديم مساعدات للأقارب، والأصدقاء والجيران)، وهذا يستدعي تعاملاً مختلفاً مع الموارد البشرية والطبيعية، وإدارة اقتصاد خلاّق، بحيث يشكل مدخلاً أساسياً للتنمية، يقود إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة، تفوق الزيادة السكانية، لتجنب تدهور سوق العمل، وهذا يتطلب رفع معدلات الاستثمار وتخفيف الديون الخارجية وضمان تغذية الدورة الاقتصادية برؤوس أموال كافية، واسترجاع الأموال المهربة أو المهاجرة (بحدود التريليون دولار) واستقطابها في الدورة الاقتصادية المحلية والعربية، وهذا يستدعي استقراراً سياسياً واجتماعياً راسخاً ومناخاً استثمارياً جاذباً، يمكن أن يوفره إصلاح اقتصادي شامل.
الوضع على الصعيد الاجتماعي هو الآخر ليس بخير، حيث تصنف الدول العربية، قياساً إلى الدول النامية كدول متأخرة، فالتنمية الاجتماعية دون المستوى المطلوب، بسبب غياب استراتيجيات وخطط تنمية اجتماعية، تضع حلولاً للتحديات الاجتماعية الكثيرة: تفاقم البطالة (بين 15 و30%) والفقر (بين 40 و 60%)، تركيز نظام التعليم على الكم دون الكيف، تدني التعليم المهني، تدني نسب متابعي الدراسات العلمية والتقنية والبحثية في الجامعات والمعاهد العربية، ضآلة مخصصات البحث العلمي والتقني في الموازنات الحكومية، تدني مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي (26%)، ناهيك عن ضعف دورها السياسي، مشكلات الإسكان، الأمية المرتفعة (وسطياً 41.4% بينما في بعض الدول تتجاوز 60%) مع الإشارة إلى ارتفاع الأمية بين الإناث، الهجرة من الريف إلى المدينة التي قادت إلى تراجع الزراعة والى ترييف المدن في ظل مشكلات إسكان وتموين وخدمات حادة، ناهيك عن التركيبة العمرية التي تتطلب أموالاً كثيرة لرعايتها وتأهيلها (نسبة من هم دون 15 سنة أكثر من 65%) وتركيبة قوى العمل السلبية (ارتفاع نسبة العمالة غير الماهرة إلى أكثر من 50%) وانتشار البطالة المقنّعة وتدفق نسبة كبيرة من الأطفال (أقل من 15 سنة) إلى سوق العمل، وهجرة الكفاءات إلى الخارج، بالإضافة إلى نمط التنشئة الاجتماعية، حيث تسود ثقافة تربوية نمطية قائمة على الطاعة والخضوع والإفراط في مراقبة الأبناء وتوجيههم، واعتماد سياسة التلقين في تربيتهم، ما يمنع تشكل شخصية مستقلة، تتفاعل مع الظروف بشكل حر وإيجابي، ويحد من التطلع والإبداع والابتكار.

أفرز هذا الوضع الهش والمترهل حوافز اجتماعية متعارضة، فالجهد والمثابرة والإخلاص في العمل ليست الطريق للحصول على مكانة ودور في السلم الوظيفي والاجتماعي، في حين يحصل المتملقون والانتهازيون والأفاقون على مكانة ودور متميز في إطار آلية تخدم، بغض النظر عن إعلان السلطات حول توجهاتها المتعارض مع الواقع الفعلي، إعادة إنتاج سيطرة السلطة على المجتمع، وقد ترتب على مجمل الممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية غياب الاندماج الوطني، حيث انقسم المجتمع عمودياً على أسس عرقية ومذهبية وجغرافية، وتآكل التلاحم الاجتماعي الذي توفره مؤسسات سياسية وإدارية ومدنية وحزبية ونقابية مستقلة وقوية وفاعلة، تتيح التوازن في المصالح والعدالة في الفرص والتوافق على المطالب، والذي يمكّن المجتمعات من مواجهة الصدمات الخارجية، خصوصاً في زمن العولمة وتحولاتها الثورية الصاعقة.
نجم عن هذه السياسات مشكلات كبيرة وخطيرة، كان رضوان السيد قد لخصها عام 2004 في ست مشكلات:
1- مسألة الدولة والنظام، بسبب جمود النظام السياسي العربي عند حدود السبعينات من القرن العشرين المنقضي، تتضاءل شرعية الأنظمة السياسية، وتتهدد فكرة الدولة في المجال العربي.
2- المسألة الوطنية والقومية، وأبرز مظاهرها العجز عن الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية، والعجز عن كبح جماح القوة الإسرائيلية المتعملقة وتهديدها سائر الدول العربية. (يمكن أن نضيف إيران تهديداً آخر).
3- مسألة التنمية، وتتجلى خطورتها في العجز، بعد مرور عقدين على السير في التغييرات الاقتصادية، عن تحقيق النمو المستدام، وعن اجتراح سياسات للنهوض والتقدم، والمشاركة الفعالة في النظام الاقتصادي العالمي.
4- مسألة الحرب الأميركية على الوجود السياسي والثقافي العربي تحت اسم: الحرب على الإرهاب. وهي حرب تدور وقائعها وأحداثها الظاهرة في العراق وفلسطين، لكنها تتجاوز، في فعلها وتأثيراتها، هذين البلدين إلى سائر أنحاء الوطن العربي، وإلى ثقافة العرب وانتمائهم الديني والحضاري.
5- مسألة النظام العربي. وأبرز مظاهر تأزمها تضاؤل تأثير المشتركات التكوينية (التاريخ والثقافة والجغرافية) في الجمع والتوحيد، وعدم فعالية المشتركات المستجدة (المصالح والأخطار).
6- المسألة الفكرية والثقافية. وأبرز مظاهرها التراجع المعرفي، وتراجع الوعي بالعالم، وتضاؤل الإنتاج الثقافي النهضوي والمتقدم، وظهور الإسلام الأصولي العنيف، وسيطرة أفكار الهوية وثقافتها.
سلوك الأنظمة العربية، القائم على التسلط والتمييز والاستئثار، الذي يُخضع المواطنين لسلطة قاهرة، تفقدهم شخصيتهم واحترامهم ذاتهم، ويطالبهم بتحمل تبعات معاركها والتضحية من أجل بقائها في سدة الحكم، في حين أن مقاومة الضغوط الخارجية تستدعي قوى مجتمعية حية حرة قادرة على التصرف والمساهمة في الدفاع عن كرامة الوطن وحريته وعزته، لأنها تشعر أن ذلك كله سيكون لصالحها. إنها (الأنظمة) ترفض التخلي عن سلطتها ومكتسباتها وترفض الإصلاح، كان لافتاً تطابق مواقفها من ثورات الربيع العربي، فقد اتفقت على رفضها وإدانتها. لكن، لاعتبارات متباينة الأولى (الجمهورية)، لأن هذه الثورات انفجرت في وجهها واستهدفتها مباشرة، فواجهتها بالقوة، وأفرطت في ذلك، والثانية (الملكية والأميرية) لأنها تخشى أن تنتقل إلى شعوبها، فانخرطت في تحريك ثورات مضادة، أو في العمل على تدجين الثورات ودفعها في مسارات بعيداً عن أهدافها المدنية والديمقراطية، بحيث لا تشكل أنموذجاً أو سابقة تُحتذى، وتطالب (الأنظمة) المواطنين بتفهم تبعات ثورات الربيع العربي ومخاطرها، واعتبارها سبباً للفوضى والدمار، وتدعوها إلى الالتفاف حولها لحفظ الأمن والاستقرار والدفاع عن الوطن، وهي تدرك أن الثورات قامت رداً على سياسات قهرت المجتمع، وأذلّت الفرد، ونشرت ثقافة الخوف والاستلاب للخارج، وهذا فجّر غضب المواطنين المكبوت منذ عقود، ودفعها إلى النزول إلى الشارع، ومواجهة البعبع الذي شلّ حركتها، ومزّق كيانها، وفصم عرى وحدتها الاجتماعية والثقافية.