يتغيّرون وتبقى الدول

يتغيّرون وتبقى الدول

29 سبتمبر 2015
+ الخط -
يتعمّد مؤيدو عبد الفتاح السيسي، والسلطة والسلطوية عموماً، أن يخلطوا بين الدولة ونظام الحكم، أو بين الدولة والسلطة التنفيذية، أو بين الدولة والأجهزة الأمنية، بغرض إشهار سيف التخوين في وجه كل من يحاول إصلاح الوضع المائل، أو من ينتقد أداء السلطة/ الحكومة، أو إرهاب كل من يحاول كشف الفساد، أو توجيه الأنظار نحو الأخطاء، أو حتى انتقاد الأداء. فإذا انتقدتَ رئيس الجمهورية، واعتماده على الخطابات العاطفية التي تخدع الجماهير، فسيعتبرونك خائناً وعميلاً، وتعمل على إسقاط الدولة، فالدولة هي السيسي، والسيسي هو الدولة. وإن تحدثت عن الأجهزة الأمنية التي يُفترض أن يكون دورها جمع المعلومات لحماية الأمن القومي، لكنها تلقّب نفسها السيادية، وتمارس دوراً في إدارة الدولة بشكل خفي مريب، بعيداً عن أي مؤسسية أو شفافية، أو لو تحدثت عن تجاوزات أو فساد في أداء الأجهزة الأمنية والسيادية، فأنت خائن عميل، عدو الدولة، فالأجهزة الأمنية/ السيادية هي الدولة، والدولة هي الأجهزة الأمنية والسيادية.
ولو انتقدت طبيعة النظام السياسي، أو نظام الحكم، وتحدثت عن غياب العدالة، أو غياب الشفافية، أو عن القمع والاستبداد وتكميم الأفواه، أو عن المحسوبية، أو عن التخبط وغياب التخطيط، أو عن استمرار الفشل الإداري، أو تعيين معدومي الكفاءة في مناصب قيادية في الدولة، أو انتقدت النظام الانتخابي، أو القوانين، أو الممارسات، فسيعتبرونك عدو الدولة التي هي عندهم النظام السياسي، وهذا هو الدولة. والطامة الكبرى، والجريمة التي لن تغتفر، الحديث، مثلاً، عن مخاطر تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة، أو تحوّل العسكر طبقةً حاكمة، لها كل الامتيازات بقوة السلاح، فأنت لديهم خائن وعميل وعدو للوطن والوطنية والقومية العربية، فهذه كلها هي المؤسسة العسكرية التي هي الدولة والوطن والوطنية والقومية وكل شيء في الدنيا.
السؤال الذي يجب طرحه عند مناقشة (أو مواجهة) هذا الخلط والتضليل والتزييف المتعمد: ما هي الدولة؟ هناك تعريفات أكاديمية متعددة، أبسطها أن الدولة بناء تصوري جامع، وأوسع من مجرد مؤسسات أمنية أو سلطة تنفيذية أو بيرقراطية أو مبانٍ أو موارد. مفهوم الدولة أوسع من مجرد نظام سياسي، أو شخصٍ ما، أياً كانت الكاريزما التي يمتلكها. الدولة مفهوم أوسع، يشمل كل ما سبق، وأكثر منه بكثير. وقد قال أستاذنا الدكتور حسن حنفي إن الدولة بناء سياسي مستقبل، وكيان صوري، يمثل الإدارة العامة لمجموع المواطنين.
الدولة هي دولة المؤسسات المستقلة، هي المدارس والجامعات والصحافة والقضاء والبرلمان والأحزاب والحركات والروابط والجمعيات، والسلطة التنفيذية والمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والمؤسسات الدينية. هي هياكل صورية يملأها "النظام السياسي"، طبقاً لاختياراته السياسية، والدولة ليست النظام السياسي، ولا المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولا هي شخص رئيس الجمهورية، ولا البيرقراطية، ولا القوة والقمع والتطبيق الجائر وغير العادل للقانون.
تسقط الأنظمة، وتبقى الدولة. يرحل الزعماء، أو يتم إسقاطهم، وتبقى الدولة. تتغير طبيعة عمل المؤسسات ومجالاتها، وتبقى الدولة. تتغير توجهات الدولة، الداخلية والخارجية، وانحيازاتها، طبقاً لمن هم على رأس السلطة، أو طبقاً لنتائج توازنات السلطات المستقلة. تتجه الدولة يميناً أو يساراً، شرقا أو غربا أو شمالا أو جنوبا، وتبقى الدولة.
الدولة المصرية ليست السيسي، ولا المؤسسة العسكرية ولا الشرطة ولا القضاء، ومن الخطر عليها شخصنتها، أو تقديس القائمين عليها، أو أحد مكوناتها. فمحاربة الفساد ليست هدم الدولة، ولن تسقط الدولة بانتقاد رئيس الجمهورية الكذاب، بل السعي نحو الديمقراطية والحكم الرشيد والشفافية والفصل بين السلطات هو ما سيدعم الدولة ويقوّيها، وليس العكس.
لذلك، ما فعله "التحالف الحاكم" وأنصاره من شبكات المصالح، من مؤسسات أمنية وعسكرية وبيروقراطية وقضائية ورجال أعمال وإعلام منتفعين، من تعمّد الخلط بين شخص السيسي والدولة، أو المؤسسات الأمنية/العسكرية/البيرقراطية والدولة هو قمة التضليل، والأكثر خطورة على الدولة، وتقدمها واستقرارها.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017