يجري في المسجد الأقصى

يجري في المسجد الأقصى

07 اغسطس 2015
+ الخط -
على الرغم مما يحدث في المنطقة من أحداث جسام، سواء نزيف الدم المتواصل في سورية وليبيا والعراق ومصر واليمن، والانقسام الفلسطيني المدمر وتداعيات الاتفاق النووي الإيراني، لا يجوز أن نعطي إسرائيل الفرصة لاستغلال تلك الأحداث الجسيمة، لاستكمال مشروعها في تهويد مدينة القدس، والانقضاض على المسجد الأقصى، ابتداءً بتعويد المقدسيين على الاقتحامات اليومية من مجموعات دينية قومية متطرفة آخذة بالازدياد يوما بعد آخر، وفي مقدمتهم أعضاء كنيست يهود ووزراء، مثل وزيرة الثقافة الاسرائيلية المتطرفة، ميري ريغيف، من حزب الليكود بزعامة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الزراعة أوري إرئيل، من حزب البيت اليهودي، بزعامة المتطرف نفتالي بينيت، ومرورا بتقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا، على غرار ما حدث للحرم الإبراهيمي الشريف، في الخليل، بعد المجزرة التي ارتكبها اليهودي المتطرف، باروخ غودلشتاين، في صلاة الفجر من أحد أيام الجمعة في شهر رمضان، في العام 1994، وانتهاء بهدم المسجد الأقصى، وإعادة بناء ما يسمى بالهيكل، حيث تزداد الأصوات اليهودية التي تدعو، ليل نهار، إلى هدمه وبناء الهيكل وعدم الانتظار لسقوط الخلاص من السماء، وباتت هذه الشريحة قوية، وأصبحت جزءا من النظام السياسي والإجماع الإسرائيلي الحاكم، بعد أن كانت في الثمانينات مجموعة صغيرة هامشية في الحياة الإسرائيلية، لكنها اليوم أصبحت ممثلة في الكنيست والحكومة، وأصبحت الطرف الأقوى في النظام السياسي الإسرائيلي. 
ما قاله إبراهام بورغ، أحد رؤساء الكنيست السابقين، من أنه يرى أن هدم المسجد الأقصى أصبح مسألة وقت، يجب أن تعيد توجيه البوصلة الفلسطينية والعربية والإسلامية، وحتى الدولية، باتجاه المسجد الأقصى.
ما حدث في المسجد الأقصى، قبل أيام، من اقتحامات لوزراء وأعضاء كنيست يهود وسماع ومشاهدة بعضهم، وهم يسبون النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ووصفه بالخنزير في ظل حماية أمنية من الجيش الإسرائيلي، والذي تمثل باعتداء الجنود على المقدسيات المرابطات في المسجد الأقصى دفاعا عنه، يوضح أن ما يحصل في المسجد الأقصى ليس تصعيدا من جماعات يمينية فقط، بل هو جزء من قرار رسمي إسرائيلي، مستغلا ما يحدث في العالم العربي من انشغال داخلي ومواجهة للإرهاب والتطرف، واستغلال الحاجة الأميركية في إرضاء إسرائيل بعد الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، حيث تعتقد إسرائيل أنها قادرة على انتزاع موافقة أميركية وصمت عربي إسلامي، لتغيير معالم المسجد الأقصى، بعدما أخرجت مدينة القدس الشرقية من الجغرافيا الفلسطينية، وأصبحت معزولة تماما عن محيطها الفلسطيني في الضفة الغربية، بفعل الجدار والمستوطنات التي تحيط بجهاتها الثلاث، من الجنوب والشرق والشمال.
ما حدث ويحدث من استهداف واضح للمسجد الأقصى إهانة كبرى للسلطة الفلسطينية وللحكومة الأردنية ولاتفاقيات السلام المبرمة، وإهانة كبرى لما تبقى من دول عربية وإسلامية. وفي الوقت الذي أصبح فيه المقدسيون والنساء المرابطات يشعرون بأنهم وحدهم في معركة الدفاع عن الهوية الإسلامية للمسجد الأقصى، بعد أن تخلى كثيرون عن تحمل واجباتهم الدينية والوطنية إزاء المسجد الأقصى. أرى أن استمرار المواقف الفلسطينية والعربية والإسلامية على حالها، وتأثير الانقسام الفلسطيني وما يحدث في عدة دول عربية وتداعيات الاتفاق مع إيران ومواجهة داعش وغيرها من الحركات المتطرفة، سيمكّن إسرائيل من تحقيق رؤيتها تجاه المسجد الأقصى، لأنه في مقابل الخطاب السياسي الفلسطيني والعربي المعتدل إزاء إسرائيل، تزداد الأصوات والجماعات المتطرفة في إسرائيل، لتصبح هي المسيطرة والحاكمة، والتي لم ولن تتردد في توظيف الحالة لتحقيق رؤيتها على المسجد الأقصى، لأنها لم تعد ترى، ولا تحسب أي حساب للعرب والفلسطينيين، فإسرائيل ترى أن أولويات العرب والفلسطينيين تغيرت وتبدلت، ولم تعد فيه إسرائيل العدو الحقيقي لدى بعض العرب والمسلمين، وحينها لا ينفع الندم.