توفيق عكاشة ومسرح بائس

توفيق عكاشة ومسرح بائس

22 اغسطس 2015
+ الخط -
لا يختلف القبض على توفيق عكاشة، في كثير أو قليل، عن محاكمة أحمد موسى، أو اتهام فاطمة ناعوت بازدراء الأديان، ثم القبض على المحامي صاحب الدعوى. كلها مسرحيات غرفة محدودة التكلفة، لمخرجين ضعاف الموهبة، وكلها مسرحيات تأتي على هامش حصاد القمح في القرى المصابة بالدرن والسل، لزوم تسلية الأطفال وحفّاري القبور والأرامل الباحثات عن دواء للبهاق، لدى السيد عمدة القرية الذي غالباً ما ينسى حصاد منجل الموت، ويأمر بالتوسعة في أمر السيرة الهلالية، في أطراف قريته مع بعض الأغاني المبهجة عن الستارة والناموسية البمبة التي تكيد العوازل، مع البقاء على منصة صراع الديكة، منصوبة بالقرب من جرن القمح، مع دوران النوارج والبقر.
وإعلام ما بعد العاشرة مساء، أو حمّالات إبراهيم عيسى، يتكفّل بأموال رجال الأعمال في مراضاة خواطر ضيوف الصراع من راسبي الثانوية العامة وصنّاع الوشم وصنّاع رسوم الحناء على سمانة الساق وقارشي الزجاج، وبعض الضيوف من الاستراتيجيين ومشايخ الوقيعة وإحصاء الذنوب بالكمبيوتر وترزية الآثام.
ولا مانع من وصلة ضاحكة في مسرح الجرن، بمناسبة ترشح سما المصري عن دائرة عابدين مثلا، فيوبّخها رجب حميدة على جرأتها على الدين، وعلى ضيق الفستان وفتحة الصدر. ولا مانع أيضا من بعض الجنيهات الذهب لبعض الأرامل المصابات بالبهاق، وستكتشف بعد مهرجان صراع الديوك لحضرة العمدة أن الفائزة بالجنيه الذهبي كانت ممثلة دائمة في برنامج توفيق عكاشة، ابتداء من 2010، وأنها مثلت في بعض ثمثيليات السبكي، وأنها كانت تسرق المراوح الكهربائية من مسجد معروف في ميت حلفا.
نحن نعيش مسرحا مدهشا قد يحسدنا عليه كتّاب الدراما في منتصف تلك الألفية التي نحياها، من دون أن ندرك تلك الخطوات الجبارة التي أنجزناها في مسرح الغرفة عالمياً، من دون أن ندري، ومن دون أن يرصد ذلك تاريخ الفن بالمسرح التجريبي.
مسرح قتل الصبي بيّاع البطاطا بطلقة من جندي أمن مركزي كان يهزر مع الصبي عمر (قال) في ساعة هزار في ميدان التحرير، وكتب الشعراء الحداثيون ساعتها قصائد مأساوية جداً عن دماء عمر، وقد طاولت عربة البطاطا وقرون البطاطا، ثم دخلت الدماء على حقل من الورد بجوار رأس جيفارا وهو مقتول.
ساعتها لم يُدِن الشعراء قائد الأمن المركزي، ولا قائد الجيش، ببنت شفة، بل قالوا إن مرسي هو الذي سفك دم عمر، وبعدما مات 3000 في حكم عبد الفتاح السيسي من "الإخوان المسلمين" وغيرهم، لم ينطق شعراء الحداثة ببنت شفة في حق الرئيس السيسي أيضا، علّ القتل هو خلاف بين الإخوان وبعضهم، أو مجرد هزار ما بين الشباب والشيوخ من الإخوان، على تقسيم بقية غنائم حكمهم الذي نهبوا فيه المليارات، ورحّلوها، بقدرة قادر، إلى كل بنوك سويسرا، علاوة على البط والأوز الذي أكله مرسي وحاشيته، وكلفت الدولة مليارات ما زالت تعاني منها، وعلّ خلاف الإخوان مع بعضهم بعد تقسيم الغنائم، وبعد أن يخرجوا من سجونهم، سيكون مثل ذلك الخلاف الذي كان ما بين العسكري وعمر، وأخذ فيه العسكري المجند حكماً بستة شهور، وخرج من الخدمة سالماً غانماً، بعد أخذ والد الصبي عمر شقة بالمدن الجديدة، ودفن بجوار قبره عربة البطاطا، تنفيذا لوصية شاعر حداثي، وترجمت قصائد الشعراء للألمانية، كي تكون باكورة التعاون الثقافي بين ألمانيا ومصر.
نحن في فترة تصنع أبطالها، وفي لحظة كتابة مسرحية تصنع نصوصها عن جدارة، وقد انتقلت الطاقة التمثيلية كاملة من يد أحمد علام وزكي طليمات وفاطمة رشدي ويوسف بيه وهبي إلى أيادٍ جديدة، كتوفيق عكاشة وأحمد موسى ووائل الأبراشي وإبراهيم حمالات مع مرتضى منصور وشوبير وغيرهم. ولا مانع، أيضاً، أن تكون حياة الدرديري هي فاطمة رشدي، تلك المسرحية الجديدة لتوفيق عكاشة، وهي تنتظره على باب سجن طره بالدموع والجرائد والسجائر وعلاج القلب والسكر والحصوات الكثيرة المصاب بها توفيق عكاشة، وقد ينبهها المخرج بعدم سكب دموع كثيرة على مأساة البطل، خوفا من أن يلخبط الكحل رقّة المشهد الجبّار على باب السجن.