مأساة "اليرموك" والأمل الكاذب

مأساة "اليرموك" والأمل الكاذب

08 ابريل 2015

من لم يمت جوعاً مات اغتيالاً (Getty)

+ الخط -

قيل الكثير عن مأساة مخيم اليرموك، منذ أصبح ساحة قتال في الشهر الأول من العام 2012. قبلها، كانت العوائل السورية التي فرّت من النيران تلجأ إليه، على افتراض أن الفلسطينيين وتجمعاتهم يمثلون استثناء، ولا شأن لهم بالصراع. منذ ذلك التاريخ، حلّت دبابات النظام في ساحة البطيخة في مدخل المخيم، وفتحت نيران مدافعها في اتجاه القاطنين فيه، من دون تمييز. بدأ النزوح المأساوي المهين، ثم أُحكم الحصار، ولم تثمر جهود النأي بالمخيم عن أخطار القصف، حتى عندما أُخلي من مقاتلي المعارضة مرات. وبالنتيجة، كابد الفلسطينيون في داخل المخيم، نساءً وأطفالاً وشيوخاً، الشُح في كل شيء، وهُدمّت بيوت على رؤوس ساكنيها، ومن لم يمت جوعاً مات اغتيالاً، أو بقصف مزق أشلاءه. وكان، بمقدور النظام، أن يفتح للناس في المخيم ثغرة إلى الحياة، لكنه ربط وجود المدنيين ومصيرهم بمصير المعارضين السوريين ووجودهم، فكلما رشق واحد من هؤلاء زخة رصاص، رد جيش النظام بزخات قذائف على الجميع، كأنما أراد من فلسطينيي "اليرموك" أن يتولوا بأنفسهم اقتلاع المسلحين الذين عجز هو نفسه، بجيشه الجرار، عن اقتلاعهم.

لم يلق مخيم اليرموك، منذ إنشائه في منتصف الخمسينيات، اهتماماً أو مدداً إغاثياً من أي طرف عربي ميسور. قوة الدفع الذاتية للناس، وتعلقهم الإعجازي بالحياة، وبراعة الفلسطيني في اجتراح معجزة النجاة، وطموحات شباب المخيم؛ جعلت المكان الذي لا تزيد مساحته على 2.11 كم مربع ضاحية اقتصادية وعمرانية صاخبة ومكتظة. وحاجات الناس للطبابة والتعليم تولتها وكالة الغوث التي لا تصنف اليرموك مخيماً خالصاً، وقد فعلت ذلك على مستوى إنشاء المدارس وتوسعتها، بتبرعات كندية وأسترالية وأميركية، ليس بينها تبرعات عربية. بعض الفصائل افتتحت، في السبعينيات، مراكز صحية متواضعة، وبعض مراكز الخدمات، وساعدت قليلاً على صعيد تشغيل الشباب. وعانى الفلسطينيون في المخيم من حالات الشقاق الفلسطيني الذي أوقعه، في صفوفهم، النظام نفسه.

عندما أطبق الحصار على الفلسطينيين في اليرموك، لم تكن مأساتهم على جداول أعمال الدبلوماسية الدولية والعربية والفلسطينية التي لن تعدم، لو أرادت، وسائل فتح قنوات ضغط لإنقاذ الناس. وهذه هي الحال التي واجهها الفلسطينيون منذ حرب الخليج الثانية، وإطاحة نظام صدام حسين. فلم يكن يعلو صوت، لإنقاذ الفلسطينيين الذين فرّوا من السكين الطائفية في بغداد، وقبعوا سنوات في الصحراء، في ظروف كان الراحل عبد الرحمن منيف سيبكينا بوصفها، لو أمد الله في عمره. في تلك الأثناء، لم يكف المطبلون والمنافقون عن الإشادة بنظام "الممانعة"، وهو يمنع ويحتبس في الصحراء وعلى الحدود، بضعة آلاف من الفلسطينيين، ولم يكن أحد يحنو على الفلسطينيين، قبل أن يرق قلب تشيلي والبرازيل.

تزامنت مأساة اليرموك مع مأساة تكريت التي اندفع فيها حشد المهووسين الذي سمّوه شعبياً، وأمده النظام الطائفي بمقومات الفتك بالعرب السُنة الأبرياء، وإحراق بيوتهم وسحل جثثهم؛ لكي يرتع ويعربد وينتهك الحرمات والمصائر. لم يرتفع صوت للاستهجان، من معسكر "الممانعة" الكاذبة الذي يوظف كلمة فلسطين والأمة في خطاب الطنين. ومن المفارقات، أن المليشيا الأكثر إجراماً، ضمن ذلك الحشد الذميم، انتحلت اسم "حزب الله" ما جعل الأوجب، أن ينبري صاحب الاسم اللبناني إلى إدانة جرائم نظرائه في العراق. أما أن تستقوي فئة قليلة وضحلة بالسلاح الإيراني، لكي تهيمن على اليمنيين ووطنهم وتسومهم سوء العذاب؛ فهذا عندهم من مقتضيات الثورية المبشرة بالنصر.

في موازاة مأساة اليرموك، صدرت متأسية، تصريحات تموء كمواء القطط، وشُكلت لجان فلسطينية لا حول لها ولا قوة. وانتهز النظام الفرصة، لكي يمارس شكلاً رديئاً من العلاقات العامة، كأن يسمح بخروج ألفي امرأة وطفل، لتصويرهم وتنصيب نفسه صانعاً للأمل والنجاة، وهو أمل كاذب.