فاكسات عرفات ووثائق الأسد

فاكسات عرفات ووثائق الأسد

20 ابريل 2016

ياسر عرفات وبشار الأسد في دمشق (13يونيو/2000/Getty)

+ الخط -
كان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات قد وقع في فخ الوثائق الناصعة، فقتلوه. لكن الذين وقعوا، ويقعون، في فخاخ الوثائق الخسيسة، وجدوا ويجدون من يدافع عنهم.
في زحمة أحداث الانتفاضة الطويلة الثانية، وبحكم الانفعال مع الوقائع اليومية، اضطر أبو عمار لأن يتقبل أكذوبة الفاكسات المشفّرة التي ابتلعت الأجهزة الأمنية الفلسطينية أكذوبة انغلاقها على المتربصين، دونما تمحيصٍ في نوايا القائمين على التشفير وصدقيتهم، أو افتراض مدى فاعليته، وما إذا كان يشمل المحتلين المهيمنين على شبكات الاتصال، والممسكين برؤوس خطوطها. كان تقبّل الرجل للاستعانة بفاكسات تلك الصفة الموهومة سبباً رئيساً في إقامة الدليل على أنه يحثّ على الانتفاضة، وعلى المقاومة، ويدفع الأمور إلى التمرد على العدو. حملوا الوثائق، وفيها تأشيراتٌ بخط يده، وعرضوها على الأطراف العربية والدولية، فانزاحت من أذهان كثيرين صورته بالبزة السميكة الزيتية المُعدلّة التي ارتداها في يوم التوقيع على "أوسلو" في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض، وعادت إلى أذهانهم صورته في المغارة، ومعه بندقيته، يستضيء بسراج صغير.
كان الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، قد حسم أمره سلباً، حيال عرفات، وحمّله مسؤولية كل ما يجري، واحتذاه الآخرون. لم ييأس الزعيم الفلسطيني من محاولة استرضاء مبارك واسترضاء سواه، مستعيناً بالشرح تلو الشرح، لممارسات وجرائم الاحتلال الذي يحشرنا في الزاوية، ويقتل على مدار الساعة. كانت الإشادة بمبارك في المؤتمرات العربية المنقولة على الهواء تتبع الشرح أو تتقدّمه، فلا يُذكر اسمه، بلسان عرفات، دونما جناس لغوي، يتشابه فيه لفظا الاسم والصفة التي أراد أن يخلعها عليه استرضاءً: "الرئيس المبارك حسني مبارك".. فلعله يرضى!
غير أن السياق ألذي أزعج الإقليم والعالم كان محاولةً فلسطينية، للدفع في اتجاه إحباط انقلاب المحتلين على عملية التسوية. أو أنه، في جوهره، كان فعلاً شعبياً مقاوماً، يتوخّى إنقاذ ما سمّاه الراعون لعملية التسوية سلاماً. لذا، انتزعت الفاكسات الوثائق من سياقها العام، بحكم أن الذي كان يجري هو بمثابة قرع لكل الأجراس، للراعين وللوسطاء، كباراً وصغاراً، لكي يتدخلوا للتهدئة، بمنطقٍ ذي حيثياتٍ سياسية، يُعيد عملية التسوية إلى مسارها.
في انتزاع الوثائق من سياقها، ومع صمت الأقربين والأبعدين، أو تواطؤهم؛ طغت ثنائية العنف والسكون. المقاومة وإسكاتها. الإرهاب ومكافحته. ابتعد الأفق، وتوحّش العدو، وركّز على عرفات لتغييبه. وقبل التغييب، اختبر المحتلون المشهد، واطمأنوا إلى أن الفلسطينيين ذاهبون إلى طريق الرمل الطويل، فالرمل كثير، أما فسحة العمر التي تبقت للرجل، فينبغي أن تكون قصيرة.
العرب والروس والأوروبيون تركوه في الحصار وحيداً. فعلت الوثائق فعلها، فيما هي تخلو من قرائن على أعمال إبادة، أو ممارسات عنف إغراقي، يتجاوز حدود الدفاع عن النفس.
لا وجه للشبه بين فاكسات ياسر عرفات، الناصعة، التي تليق بالقادة الوطنيين الذين قادوا شعوبهم إلى الحرية، ووثائق بشار الأسد، التي نُشرت، أدلة دامغة، على تورّطه في أعمال قتل جماعي لشعبه، ووصفها ستيفن راب، المحامي الذي كان مدعياً، في محكمتي رواندا وسيراليون الجنائيتين الدوليتين، بأنها أغنى بكثير، من أي شيء رآه، وأي شيء قام بالادعاء، مستنداً إليه، في كل تجاربه.
وثائق الأسد، لم تتوافر لمن نشروها، من خلال فاكسات، وإنما شهد بها شاهدٌ من أهلها، إذ سرّبها أمين سر خلية الأزمة، الموصولة ببشار الأسد، والتي كانت ترفع إليه توصياتٍ فيضيف إليها ويضع توقيعه. الملف مكتمل، يصلح للمحكمة الجنائية الدولية، وينبغي أن يستحي منه الأميركيون الذين اختلط عليهم تعريف الإرهاب، ومعهم كل الذين يدفعون إلى إعادة تأهيل الأسد، ويرون الإرهاب علامة مسجلة حصراً لإرهابيي "داعش" وأشباهها من الأصوليين المتطرفين.