إطلالة على الصين

إطلالة على الصين

01 فبراير 2015

في مصنع في مدينة يوي في الصين (12 يناير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

لم تتجاوز نسبة نمو الاقتصاد الصيني 7.3% للعام 2014، وهي نسبة متدنية، قياساً إلى اقتصاد عرف، من مطلع التسعينيات، أي منذ بدء ظهور ثمار برامج الإصلاح والانفتاح التي جرى إطلاقها في 1978، نسباً أعلى من هذه بكثير، تراوحت عادة حول 10%، وتجاوزتها غير مرة، قبل أن تعود لتتباطأ في السنوات الأخيرة، حتى بلغت أدناها في 2014.

اللافت أن الرسميين الصينيين لم يظهروا انزعاجاً من تراجع نسبة النمو الاقتصادي، إذ على خلاف الاعتقاد بأن اقتصاد بلدهم تعرض إلى "ضربة"، فإن نسبة النمو التي عكست تراجعاً في النجاح الاقتصادي الصيني على الصعيد الخارجي تؤشر على نجاح آخر داخلياً.

تراجعت نسبة نمو الاقتصاد الصيني بدافع تراجع عائدات الصادرات، بشكل أساسي، أي تراجع الاستهلاك العالمي للمنتجات الصينية، خصوصاً في الدول ذات الإنفاق المالي العالي كالولايات المتحدة وأوروبا الغربية، كذلك تأثرت نسبة النمو بركود سوق العقارات في الصين، المتركز أساساً في المدن الكبرى. وهذا يعني أن تباطؤ النمو تسبب به عاملان: خارجي، وداخلي حضري.

الجيد إذن، بالنسبة للصينيين، الذي يفسر "عدم الانزعاج" الرسمي من تباطؤ النمو، أن العامل الداخلي الريفي ظلت مساهمته إيجابية في تحقيق نسبة النمو التي تحققت. في وقت تطبق فيه الصين سياسة "المجتمع المتناغم"، القاضية بتوزيع ثمار التنمية على مختلف المناطق والشرائح السكانية، بشكل عادل، وهي سياسة تعني، بالضرورة، الاهتمام بالمناطق الداخلية البعيدة عن الساحل، المشتغلة بالزراعة، والتي ظلت، في سنوات النهوض الخمسة والثلاثين الماضية، أقل استفادة من ثمار التنمية، مقارنة بالمدن والمناطق الحضرية وسكانها. وهكذا، جاءت نتيجة نسبة نمو الاقتصاد الصيني للعام 2014 متراجعة رقمياً، لكنها ناجحة سياسياً، وتفيد بأن برنامج "المجتمع المتناغم" بدأ يعمل فعلاً.

وقد أعلنت "نظرية المجتمع الاشتراكي المتناغم"، للمرة الأولى في العام 2006، بهدف الوصول إلى مجتمعٍ لا تفصل بين أفراده فجوات وفروق كبيرة. وقد حددت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، العام 2020، موعداً مأمولاً للوصول إلى حالة "المجتمع المتناغم"، الذي تُعمّم فيه ثمار التنمية على الأمة الصينية. ومن الدارج في الأدبيات الرسمية الصينية، منذ ذلك التاريخ، الحديث عن الاهتمام بـ"النوع" في النمو الاقتصادي، عوضاً عن التفكير بـ"الكم".

علينا ملاحظة أن عملية التنمية في الصين قامت منذ 1978 على قاعدة تدخّل الدولة في القرار الاقتصادي، ما مكّنها من ضبط اتجاهات التنمية في كل مرحلة، وهذه، بالضبط، القاعدة التي أطلقت منها الصين مشروعها التنموي، على أساس إجراء "تصحيح هيكلي" اختياري للاقتصاد، باتجاه اعتماد أنواع من آليات السوق، من دون الإخلال بتدخل الدولة وتوجيهها الاقتصاد، بشكلٍ يخدم متطلبات التنمية من وجهة نظرها، وهو ما تسميه الصين "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية". ومن طرائف ذلك أن الدولة راحت تدعم مؤسسات القطاع الخاص الصيني مالياً، لكي تمكّن منتجاتها من المنافسة في الأسواق العالمية، بتقليل تكلفتها، ومن ثم سعرها، قياساً إلى البضائع المناظرة لها، المنتجة في أوروبا أو أميركا أو اليابان.

وما تجدر ملاحظته، أيضاً، أن الاقتصاد الصيني النشط استطاع، على مدار السنين، أن يحقق فكرة "الاعتماد المتبادل" مع اقتصاديات الدول الكبرى. وهكذا، ظلت الدول المتعاملة اقتصادياً مع الصين، بما فيها الكبرى، محتاجة إلى الصين، تماماً كحاجة الصين لها، ما ينفي إمكانية تعرض الاقتصاد الصيني إلى "ضربة موجعة"، بمعزل عن اقتصاديات الدول المنافسة.

هكذا، وعلى الرغم من انشغال الاقتصاد الصيني، منذ مضيّه في سياسة الإصلاح والانفتاح، باستقطاب الاستثمار الأجنبي، والتصدير إلى الأسواق الخارجية، إلى حد جعل الأوضاع الاقتصادية في الدول المستوردة الكبرى تؤثر نسبياً في نموه، كما يظهر في نسبة النمو للعام 2014، فإن برامج التنمية في الصين تظل متوقفة، إلى حد بعيد، على القرار السياسي الداخلي، وتوجهاته وأهدافه، ما يجعل من غير الموضوعي قراءة أرقام الصين الاقتصادية بمعزل عن السياسات العامة للدولة، والأهداف الكبرى المتعلقة ليس فقط بتنمية الاقتصاد، بل بـ"نهوض الأمة الصينية" أيضاً، وهو نهوض يلعب فيه العامل الاقتصادي دور الوسيلة، لا الغاية.

1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.