ما هكذا تورد الإبل يا دولة الرئيس

أيام الصبا والزمن الجميل، كنا نتلهف كي نلتف حول "كانون الجمر" المتوهج، بعد أن تنهي أمي حفلة من حفلات خبيز الخبز على "التنور"، كانت أمي من الحكمة والتدبير بمكان، بحيث تجمع جمرات الخشب والحطب المتبقية في بطن ذاك التنور بعد الخبيز لتضعها في الكانون، وتدخلها لنا إلى البيت، كي نتدفأ عليها في مساء من مساءات ديسمبر الزمهرير، لم يكن هناك أي من تلك المدافىء الكازية أو الغازية أو الكهربائية، كهربائية؟ لم يكن هناك كهرباء أصلا، لم نكن نعلم عنها شيئاً.
إحدى أكبر متعنا عندما يتوفر في بيتنا بعض من حبات البطاطس، فندفنها في قلب الجمر كي تشوى، وكل واحد منا يعلم المكان الذي وضع به حبته منتظراً نضوجها، في حين تجلس أمي بجوارنا، ونحن نحثها على سرد قصصها التي تتحدث عن فقراء شقوا طريقهم إلى النجاح والترف بكل ذكاء وحكمة وشجاعة وسط البؤس والفقر وضيق الحال. لم نكن نصدق هذه القصص بقدر ما كانت تبعث في نفوسنا اﻷمل والتحدي، لنعود ونهوي إلى أرض الواقع، بعد تحليق في سماوات الترف بين أروقة القصور المليئة بالجواري الملاح والطعام بأنواعه، لنعود على أرض واقع الفقر وضيق الحال والحاجة لكل شيء، حتى تلك "النواسة" التي تضىء عتمة ليلتنا تلك ونحن نيام.
وهذا حال حكومة الدكتور عبد الله النسور، فطوال السنة، وما إن يبدأ فصل الصيف، حتى تطل علينا حكومته كل أسبوع أو شهر بتقرير إثر آخر، ودراسة إثر أخرى، واستطلاعا إثر آخر، عن تحسن مؤشرات أداء اﻹقتصاد الوطني من سياحة وصناعة وتجارة وزراعة وتعليم وبطالة، حتى تعتقد للحظة أنك ليس في اﻷردن، بل تتصور أن يطلب اﻹتحاد اﻷوروبي من اﻷردن الانضمام ﻹتحاده كي تتحسن مؤشرات الإتحاد اﻹقتصادية.
وما إن يبدأ فصل الشتاء من كل عام، حتى تسقط ورقة التوت من جديد عن عورة الحكومة الأردنية الحالية، ففصل الشتاء يُطلق عليه اﻷردنيون "فصل فرض الضرائب"، لأن حكومة عبد الله النسور لا تعرف إلا اللجوء إلى جيب المواطن اﻷردني، ومزاحمته على حبات البطاطس التي ينتظر نضوجها في كانونه المتهاوي.
الوضع الاقتصادي سيء جدا، فهذه السنة زادت المديونية ما مقداره 2 مليار دينار لتصبح 21.1 مليار، وهي في ازدياد سنة عن أخرى بحيث زادت المديونية خلال فترة حكومة عبد الله النسور 6 مليار دينار.
ما هكذا تورد اﻹبل، يا دولة عبد الله النسور، وما هكذا تدار اقتصادات اﻷمم.