إنها طبول الحرب

إنها طبول الحرب

02 ديسمبر 2015

كيسنجر تنبأ عام 2011 بالحرب العالمية الثالثة (23 نوفمبر/2015/Getty)

+ الخط -
العالم العربي يغشاه الدوار، الحرب العالمية الثالثة تقتحمه في جنباته الأربع، "ومن لم يسمع طبولها فهو أصم"، وأهله غارقون في همومهم، لا يعرفون متى، ولماذا، وكيف. المشاريع القومية التي تبشر برأب الصدع، ونجدة الشقيق، ظالماً أو مظلوماً، نحيت جانباً. ومواثيق الدفاع الجماعي، والتضامن العربي، و"جامعة الدول العربية" نفسها، أصبحت في خبر كان.
والمشاريع "الإسلاموية"، التي قيل إنها تحمل تعويذة النجاة من الحروب والكوارث، تحولت إلى "موضة" قديمة، والديمقراطية التي أنعم بها علينا المحتلون، وتابعوهم المحليون، فصلت على قدر جلودهم. والليبراليون، القدامى منهم والجدد، انسحبوا من الميدان، مقتنعين من الغنيمة بالإياب. البراغماتية وحدها وصفة العصر، وورقة التوت التي تستر ما بقي. ينصحنا هنري كيسنجر رجل الدبلوماسية الأميركية العجوز: "إن كنت مواطناً عادياً في وسعك تحضير نفسك لمواجهة الحرب بالانتقال إلى الريف، والإقامة في مزرعة. ولكن، لا تنس أن تأخذ معك سلاحك، فقد تحتاج إليه، حيث أن جحافل الجوعى قد تغزو مكان إقامتك، أما رجال النخبة، فلديهم ملاذاتهم الآمنة. لكن، عليهم أيضا أن يكونوا حذرين، لأن ملاذاتهم تظل، هي الأخرى، في خطر".
يشرح كيسنجر، لنا، وهو العارف بالاستراتيجيات الأميركية، والخبير فيها، أن أميركا، بعد أن أتاحت للصين فرصة زيادة قوتها العسكرية، وسمحت لروسيا بالتعافي من اضطراباتها الداخلية، ووفرت لهما شعوراً زائفاً بالقوة، عملت على السيطرة على سبع دول شرق أوسطية، لم يسمها، غنية بالموارد، "لأنك إن سيطرت على النفط تتحكم بالدول، وإن سيطرت على الغذاء تتحكم بالشعوب"، وهي في طريق استكمال هذا الهدف.
الحرب القادمة، يضيف، سوف تكون صعبة ومعقدة، إلى درجة أن قوة عظمى واحدة هي التي يمكنها أن تنتصر، وهذا هو السبب الذي يجعل الأميركيين على عجلة من أمرهم، لتشكيل قوة عظمى متكاملة، لضمان بقائهم، ويدفع الأوروبيين إلى أن يكونوا أسرة واحدة متماسكة، والجميع مدركون أنهم مقبلون على مواجهة حاسمة.
لكن، هل ستقف روسيا والصين، وهما لاعبان ماهران كما هو معروف، مكتوفتي الأيدي أمام
التوغل الأميركي في المنطقة الغنية بالطاقة؟ يجيب كيسنجر: "الدب الروسي وحامل المنجل الصيني سينهضان من هجعتهما، في الوقت الذي يتعين فيه على إسرائيل أن تقاتل العرب، بكل إمكاناتها، وتقتل منهم بقدر ما تستطيع، والأمل أن يسير كل شيء كما هو مخطط له، وأن يصبح نصف الشرق الأوسط إسرائيلياً".
يضيف أن الأطفال الأميركيين يتدربون، منذ العقد السابق، على ألعاب الحروب الإلكترونية، وسيكون الأمر مثيراً لهم، عندما يستدعون إلى الخدمة، عند نشوب "الحرب العالمية الثالثة"، وسوف يكتشفون أنهم أمام نسخةٍ واقعيةٍ، من لعبة الحرب التي تعلموها، ليصبحوا مقاتلين بارعين.
يرسم لنا الدبلوماسي الأميركي العجوز مشهد الحرب الأخير: "عندما ننهض من رماد الحرب (نحن الأميركيين) سوف نبني مجتمعاً جديداً، ونؤسس لنظام عالمي جديد، نكون فيه القوة العظمى الوحيدة، التي لها السلطة المطلقة على العالم. لا تنسوا أننا نملك أفضل السلاح، وفي حوزتنا موارد ومواد خام لا تملكها دولة أخرى، وسوف نقدم كل هذا إلى العالم، عندما يحين الوقت المناسب". ينذرنا، في النهاية، بأن "طبول الحرب تدق، ومن لم يسمعها فهو أصم".
هل حان أوان تحقق نبوءة كيسنجر السوداء هذه، التي أطلقها غداة مولد ما أسميناه "الربيع العربي" الذي استحال خريفاً ينذر بشتاء قاس وصعب؟ هل نقف حقاً، نحن أبناء العالم العربي، على أبواب الحرب، ونحن جوعى عراة، لا حول لنا ولا قوة؟ هل تشبه واقعة إسقاط أنقرة الطائرة الروسية، وما تبعها من تصعيد حيناً، وتهدئة حيناً آخر، حادثة مقتل الأرشيدوق فرانز فرديناند، وريث العرش النمساوي وزوجته، الحادثة التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الأولى؟ وهل يكرّر الدخول العسكري الروسي بكامل ثقله إلى الشرق الأوسط، وما رافقه من مناورات استعراضيةٍ وتصعيد للحرب الباردة، لعبة الحرب التي بدأتها ألمانيا باجتياح بولندا، وتدمير عشرات من طائراتها، والذي فجر الحرب العالمية الثانية؟ ومن قال إن الحروب لا تعيد نفسها، باستثناء أن ماكنتها، في كل مرة، تلتهم ضحايا جدداً، وتدمر مساحات أخرى في هذا الكون؟
هل تعمّد كيسنجر، بنبوءته، كشف القناع عمّا هو ماثل بالفعل؟ أم أراد إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل، لكي تنفذ ما هو مطلوب منها، أم هدف إلى تنبيه قادة في العالم العربي إلى أن ما يجري من حولهم يستهدف بلادهم وثرواتها وكنوزها، وهو يعلم، من تجربته معهم، أنهم لا يقرأون ولا يكتبون؟

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"