العدل الغائب

العدل الغائب

23 أكتوبر 2015
+ الخط -
اصطدمت مرة بسيارة من الخلف، كانت تقف على جانب الشارع، وحين هممت بالنزول من السيارة، ﻷبحث عن صاحبها، قال لي صديقي: "أمجنون أنت؟ إمض في طريقك يا رجل، أتريد أن تورط نفسك؟". لوهلة لم أقو على اتخاذ أي قرار، لكني، في النهاية، استسلمت لجيناتي السيئة، وأخذت برأيه اللئيم وهربت.
مر على تلك الحادثة اللئيمة، قرابة الخمسة عشر سنة، ولم أزل أجد سيارتي قد ضربت أو خدشت على هذا الجنب أو ذاك، فلا يمر شهر من دون أن أجد شيئاً مماثلا على هيكل سيارتي. لذا أصبحت أتمنى أن أجد صاحب تلك السيارة، لعلني أنتهي من هذا الكابوس، إذ لا يمكن بأي حال أن أجد ذاك الذي خدش سيارتي بانتظاري كي نتخالص، أو على اﻷقل أن يترك رقم هاتفه عليها حتى أعود، أو أن أجد شخصاً ما، وقد أخذ لي رقم تلك السيارة، كي أشكو على صاحبها.. كيف سيحصل هذا وأنا لم أكن عادلا مع صاحب تلك السيارة؟ كيف سأحصل على العدل من اﻵخرين الذين ظلموني؟ كيف سيؤيدني ربي بعدل من عنده، وقد كنت يوماً سيد الظلم ونصيراً له، كيف؟
منذ احتلال فلسطين، ولسان حالنا هو التضرّع بالدعاء إلى الله، لكي يعيننا على تحريرها، وأن يفك قيد المسجد اﻷقصى ويدحر الغاصبين، ويشتت شملهم ويفرق جمعهم. تصدح المآذن على مدار الساعة بهذه اﻷدعية وغيرها!
لا يمكن أن تتحرر فلسطين، على الرغم من سكاكين أبطالها وخناجرهم التي ترهب الإسرائيليين، ومن يقف في صفهم وتزلزلهم، ﻷننا، شعوباً قبل الحكومات واﻷنظمة، لا نعلم شيئا بعد عن العدل واﻹنتماء والوطنية الحقيقية، بعيدا عن تمجيد اﻷفراد وعبادتهم.
إسرائيل على الرغم من إجرامها وحقدها، أنتجت شعبا منصهرا في بوتقة المصلحة العامة العليا لكيانه ودولته، فالمصلحة الفردية والعشائرية لا وجود لها بينهم، يعمل مسؤولوها وحكامها ووزراؤها، وحتى رؤساء البلديات هناك، ضمن الخطوط العريضة لهذا الكيان، بعيدا عن الفردية واﻷنانية والعشائرية والجهوية، وتمجيد اﻷفراد من حكام وغيرهم، فهم شعب منتم بحق لقضيته وأمته، ويعمل للكل قبل الفرد، أما نحن فنتحدث عن مجتمع (بغض النظر عن عدائنا له ولكيانه، وعن تمنياتنا له بالزوال) عادل فيما بينه من حكام وسلطويين وشعوب. هذه هي الحقيقة المرة التي لا نريد أن نتجرّعها.
لا أقوم هنا بجلد الذات، بقدر ما أحاول أن أستقرئ اﻷسباب الحقيقية وراء هواننا على اﻷمم، وهو ما عبر عنه دبلوماسي ياباني، إذ وصفنا: "متدينون كثيراً وفاسدون كثيراً".
BB0E1626-EC3F-46CE-91BA-116FA9609C27
BB0E1626-EC3F-46CE-91BA-116FA9609C27
بشار طافش (الأردن)
بشار طافش (الأردن)