معتقدات دينية في رشاش طائش

معتقدات دينية في رشاش طائش

13 يناير 2015

مسيرة حاشدة في واشنطن تتضامن مع ضحايا باريس (11يناير/2015/Getty)

+ الخط -
اعتادت الدول، كل الدول تقريباً، أن تتعامل مع مآسي بعضها بالدبلوماسية والمبدأ المتعالي، باستثناء دولة نتنياهو، فهي تسعى إلى سرقة التراجيديا الفرنسية من الفرنسيين، وسلبهم الحق في أن يكون لهم أبناء موتى، شهداء كل الديانات. فقد دعا نتنياهو اليهود الفرنسيين إلى العودة إلى إسرائيل، وهو يتأهب للذهاب إلى مسيرتهم للتنديد بالجريمة البشعة التي استهدفت جريدة وشرطة ومواطنين، قدر عددهم بـ 17 ضحية. وقال إن دولتهم ومأواهم هي إسرائيل، وعليهم أن يتركوا فرنسا، ويتوجهوا إلى أول طائرة تقلهم إلى مطار بن غوريون.
وقد اعتاد الكيان الصهيوني أن يسرق من الغرب كله، ومن فرنسا نفسها، ضحاياها من الديانة اليهودية، عندما تم التنكيل باليهود الفرنسيين وترحيلهم إلى معسكرات الاعتقال أو إلى الجحيم، ويقيم نصباً حياً ودائماً في كيانها كلها. وكانت إسرائيل تنزع عن مواطني فرنسا مواطنتهم وتحملهم إلى سرادق العزاء اللانهائية التي تقيمها يومياً، في الحدائق التلمودية للابتزاز الصهيوني، لتعميق إحساس فرنسا والغرب عموماً بعقدة الضمير.
أصبح منطقياً أن نسأل: هل المأساة في موت كل هؤلاء الضحايا، منذ عقد أو عقدين وقرن، هو الموت بحد ذاته، والرعب بحد ذاته، أم الإسرائيليون الذين يطرحون أنفسهم ورثة له؟
لا أحد من المسلمين سيتجرأ ويدعو المسلمين، في فرنسا وحيث يموت الناس، إلى بلدانهم ودولهم، وقد توفي الفرنسي المغربي أحمد مرابط في المجزرة، أولاً لأن قلة من المتطرفين فقط هم الذين يؤمنون أن الغرب ليس دار الإسلام، وأن على المسلمين أن يتركوه ويعودوا إلى ديارهم، ما يجعلهم ينكرون سنّة النبي عليه السلام، عندما دعا أهله والمؤمنين الأوائل إلى الهجرة إلى دار الملك النجاشي في الحبشة. ثانياً، لأن الدولة التي يدعونا إليها المتطرفون، لا توجد. إنها فكرة دولة الخلافة، وليس كيانها، فنحن في منطقة قاحلة من السياسة، حيث الزمن هو نفسه فضاء الجغرافيا التي تقوم عليها الدولة في أذهان المتشددين والحالمين بالمدينة 
الفاضلة، والمتشردين الجدد في الساحل الطويل للجفاف الروحي والعقدي والخواء الوجودي. ثالثاً، يلتقون كلهم مع إسرائيل في أن الدولة التي في الإحياء المتأخر لخطة السماء، دولة دينية مغلقة، عرقياً ودينياً وعقدياً، وتعتبر، في كلا السيناريوهين، النسخة البشرية للجنة، كما سنجدها بعد الموت، انتحاراً أو روتيناً.
ومن المؤسف حقاً أن الذي نواجه به، الآن، الموقف الإسرائيلي في سرقة مأساة فرنسية، والموقف المتطرف في سرقة ديانة بكاملها، وبداخلها الطابع الجديد لدولة في السيارات الرباعية الدفع، وفي براميل النفط المهرب، هو الجلوس في المنطقة بين التباسين، كما يتجلى في الجواب عن سؤال: هل يُسمح، اليوم للمسلم أن يبرر القتل الأعمى، ولو كان دفاعاً عن أغلى مقدساته؟
في الدفاع، لا ننتبه إلى أن العالم عندما نواجهه بالسؤال لا يفهمه بتاتاً، لأن القتل شريعة القتلة، وليس شريعة الأنبياء، وليس شريعة الآلهة الذين يصبحون ضباط كوموندوهات في تأويل خطير يرمي بهم إلى درجة الضعف الذي يستوجب الانتقام لهم، ويرمي بالبشر القتلة إلى مرتبة الآلهة القادرة التي تنوب عن آلهة غير قادرة على الانتقام لنفسها. وتبريراتنا في ذلك كثيرة.
هل تسمح أميركا لنفسها بقتل الناس، بدون أن يسمح آخرون لأنفسهم بالفعل نفسه؟
كما لو أن وحشية دولة أميركا، ودولة فرنسا، في زرع القنابل على رؤوس أفراد دولة العراق أو باكستان، تبرران أن ينخرط مواطنون من دولة العراق وباكستان في قتل مواطنين من دولة فرنسا وأميركا؟
ما تقوم به الدول لا يمكن أن يعاقب به مواطن أو شاعر أو صحافي أو شرطي، نعاقبه كما نعاقب خدمة الطاغوت عند جهاديينا، وكما في أدبياتهم المناهضة له.
السماء لا تتفرج على أبنائها الغرباء، بدون أن تحرك فينا شك السؤال والعودة إلى أصل الكلام.
ما نجيب به الصحافي هو الصحافي، وما نرد به على رسم هو رسم، وليس قنبلة، وأحياناً يكون الرد هو الرسم اللامرئي للقناعة التي تؤمن بأن الفاعل الكريه، في نهايته، لا يستحق الرد، مهما كانت درجة انتشاره.
إننا، في محصلة البحث عن الموت، نرفض العيش مع ذواتنا، عندما نقتل الشيعي في العراق باسم النقاء السني، أو العكس، وعندما نقتل الكاتب في الجزائر باسم الخروج عن الوعظ في الرواية، وعندما نسعى إلى قتل الروائي العجوز من دون قراءته حقاً، فنحن، بكل بساطة، نتعلم عجزنا عن العيش مع أنفسنا. ولهذا، نقتل كثيراً قبل أن ننظر إلى ما يفعله الآخر لنا من إساءة، في خليط كريه بين الجهل والتطرف.
لا أفكار هادئة، ولا معتقدات سليمة في رشاش طائش، كما لا نبي يسكن مسدساً. لنتذكّر قوله تعالى: "لو كنت فظاً غليظ القلب"، أو دولة تريد أن تكون تقليداً صينياً لجنة الخلد.

دلالات

768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.